قال شيخنا أبو جعفر رحمه الله اما ما ذكر من كثرة المال والصديق، واستفاضة الذكر وبعد الصيت وكبر السن، فكله عليه لا له، وذلك لأنه قد علم أن من سيرة العرب وأخلاقها حفظ
الصديق والوفاء بالذمام والتهيب لذي الثروة واحترام ذي السن العالية، وفى كل هذا ظهر شديد، وسند وثقة يعتمد عليها عند المحن، ولذلك كان المرء منهم إذا تمكن من صديقه أبقى عليه، واستحيا منه، وكان ذلك سببا لنجاته والعفو عنه، على أن
علي بن أبي طالب عليه السلام إن لم يكن شهره سنه، فقد شهره نسبه وموضعه من
بني هاشم، وإن لم يستفض ذكره بلقاء الرجال، وكثرة الاسفار استفاض بأبي طالب، فأنتم تعلمون انه ليس تيم في بعد الصيت كهاشم، ولا أبو قحافة كأبي طالب، وعلى حسب ذلك يعلو ذكر الفتى على ذي السن ويبعد صيت الحدث على الشيخ، ومعلوم أيضا أن عليا على أعناق المشركين أثقل، إذ كان هاشميا، وإن كان أبوه حامى رسول الله صلى الله عليه وآله، والمانع لحوزته، وعلى هو الذي فتح على العرب باب الخلاف، واستهان بهم، بما أظهر من الاسلام
والصلاة، وخالف رهطه وعشيرته، وأطاع ابن عمه فيما لم يعرف من قبل، ولا عهد له نظير، كما قال تعالى
﴿لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون﴾ (1) ثم كان بعد
صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله، ومشتكى حزنه، وأنيسه في خلوته، وجليسه وأليفه في أيامه كلها، وكل هذا يوجب التحريض عليه، ومعاداة العرب له، ثم أنتم معاشر العثمانية، تثبتون لأبي بكر فضيلة بصحبة الرسول صلى الله عليه وآله من
مكة إلى
يثرب، ودخوله معه في الغار، فقلتم مرتبة شريفة وحالة جليلة، إذ كان شريكه في الهجرة، وأنيسه في الوحشة، فأين هذه من صحبة علي عليه السلام له في خلوته، وحيث لا يجد أنيسا غيره، ليله ونهاره، أيام مقامه
بمكة يعبد الله