مقهورين لا حراك بهم، وأذلاء لا عز لهم، وفقراء لا مال عندهم، ومستخفين لا يمكنهم اظهار دعوتهم، لفرقا واضحا، ولقد كانوا في حال أحوجت لوطا وهو نبي إلى أن قال ﴿لو أن لي بكم قوه أو آوى إلى ركن شديد﴾ (1) وقال النبي صلى الله عليه وآله (عجبت من أخي لوط، كيف قال أو آوى إلى ركن شديد، وهو يأوي إلى الله تعالى) ثم لم يكن ذلك يوما ولا يومين ولا شهرا ولا شهرين، ولا عاما ولا عامين، ولكن السنين بعد السنين وكان أغلظ القوم وأشدهم محنة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله أبو بكر، لأنه أقام بمكة ما أقام رسول الله صلى الله عليه وآله ثلاث عشرة سنة، وهو أوسط ما قالوا في مقام النبي صلى الله عليه وآله (2).
قال شيخنا أبو جعفر رحمه الله ما نرى الجاحظ احتج لكون أبى بكر أغلظهم وأشدهم محنة، الا بقوله لأنه أقام بمكة مدة مقام الرسول صلى الله عليه وآله بها، وهذه الحجة لا تخص أبا بكر وحده، لان عليا عليه السلام أقام معه هذه المدة، وكذلك طلحة وزيد وعبد الرحمن وبلال وخباب وغيرهم، وقد كان الواجب عليه أن يخص أبا بكر وحده بحجة تدل على أنه كان أغلظ الجماعة، وأشدهم محنة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، فالاحتجاج في نفسه فاسد.
ثم يقال له ما بالك أهملت أمر مبيت علي عليه السلام على الفراش بمكة ليلة الهجرة هل نسيته أم تناسيته فإنها المحنة العظيمة والفضيلة الشريفة التي متى امتحنها الناظر، وأجال فكره فيها، رأى تحتها فضائل متفرقة ومناقب متغايرة، وذلك أنه لما استقر الخبر عند المشركين أن رسول الله صلى الله عليه وآله مجمع على الخروج من بينهم للهجرة