[قصة وقعت لأحد الوعاظ ببغداد] وعلى ذكر قوله عليه السلام (سلوني)، حدثني من أثق به من أهل العلم حديثا، وإن كان فيه بعض الكلمات العامية، الا انه يتضمن ظرفا ولطفا، ويتضمن أيضا أدبا.
قال كان ببغداد في صدر أيام الناصر لدين الله أبى العباس أحمد بن المستضئ بالله، واعظ مشهور بالحذق ومعرفة الحديث والرجال، وكان يجتمع إليه تحت منبره خلق عظيم من عوام بغداد ومن فضلائها أيضا، وكان مشتهرا بذم أهل الكلام وخصوصا المعتزلة وأهل النظر، على قاعدة الحشوية، ومبغضي أرباب العلوم العقلية، وكان أيضا منحرفا عن الشيعة برضا العامة بالميل عليهم، فاتفق قوم من رؤساء الشيعة على أن يضعوا عليه من يبكته ويسأله تحت منبره، ويخجله ويفضحه بين الناس في المجلس، وهذه عادة الوعاظ; يقوم إليهم قوم فيسألونهم مسائل يتكلفون الجواب عنها، وسألوا عمن ينتدب لهذا، فأشير عليهم بشخص كان ببغداد يعرف بأحمد بن عبد العزيز الكزي، كان له لسن، ويشتغل بشئ يسير من كلام المعتزلة، ويتشيع، وعنده قحة، وقد شدا أطرافا من الأدب، وقد رأيت انا هذا الشخص في آخر عمره، وهو يومئذ شيخ والناس يختلفون إليه في تعبير الرؤيا، فاحضروه وطلبوا إليه أن يعتمد ذلك، فأجابهم، وجلس ذلك الواعظ في يومه الذي جرت عادته بالجلوس فيه، واجتمع الناس عنده على طبقاتهم، حتى امتلأت الدنيا بهم، وتكلم على عادته فأطال، فلما مر في ذكر صفات البارئ سبحانه في أثناء الوعظ، قام إليه الكزي، فسأله أسئلة عقلية، على منهاج كلام المتكلمين من المعتزلة، فلم يكن للواعظ عنها جواب نظري، وإنما دفعه بالخطابة والجدل، وسجع الألفاظ; وتردد الكلام بينهما طويلا، وقال الواعظ في آخر الكلام أعين المعتزلة حول، وصوتي