والتصرف في أنفسهم، فكيف أهمل الجاحظ هذه الفضيلة، ونسي هذه الخصيصة، ولا نظير لها ولكن لا يبالي الجاحظ بعد أن يسوغ له لفظه، وتنسق له خطابته، ما ضيع من المعنى، ورجع عليه من الخطا.
فاما قوله واعلموا أن العاقبة للمتقين، ففيه إشارة إلى معنى غامض قصده الجاحظ - يعنى أن لا فضيلة لعلى عليه السلام في الجهاد، لان الرسول كان أعلمه انه منصور، وان العاقبة له - وهذا من دسائس الجاحظ وهمزاته ولمزاته، وليس بحق ما قاله، لان رسول الله صلى الله عليه وآله اعلم أصحابه جملة أن العاقبة لهم، ولم يعلم واحدا منهم بعينه انه لا يقتل، لا عليا ولا غيره، وان صح انه كان أعلمه انه لا يقتل، فلم يعلمه انه لا يقطع عضو من أعضائه، ولم يعلمه انه لا يمسه ألم جراح في جسده، ولم يعلمه انه لا يناله الضرب الشديد.
وعلى أن رسول الله صلى الله عليه وآله قد اعلم أصحابه قبل يوم بدر - وهو يومئذ بمكة - أن العاقبة لهم، كما اعلم أصحابه بعد الهجرة ذلك، فإن لم يكن لعلى والمجاهدين فضيلة في الجهاد بعد الهجرة لإعلامه إياهم ذلك، فلا فضيلة لأبي بكر وغيره في احتمال المشاق قبل الهجرة لإعلامه إياهم بذلك، فقد جاء في الخبر انه وعد أبا بكر قبل الهجرة بالنصر، وانه قال له أرسلت إلى هؤلاء بالذبح، وان الله تعالى سيغنمنا أموالهم، ويملكنا ديارهم، فالقول في الموضعين متساو ومتفق.
قال الجاحظ وأن بين المحنة في الدهر الذي صار فيه أصحاب النبي صلى الله عليه وآله مقرنين لأهل مكة ومشركي قريش، ومعهم أهل يثرب أصحاب النخيل والآطام و الشجاعة والصبر والمواساة، والايثار والمحاماة والعدد الدثر، والفعل الجزل، وبين الدهر الذي كانوا فيه بمكة يفتنون ويشتمون، ويضربون ويشردون، ويجوعون ويعطشون،