ثقيلا على قلوبهم، وهو المخصوص دون أبى بكر بالحصار في الشعب، وصاحب الخلوات برسول الله صلى الله عليه وآله في تلك الظلمات، المتجرع لغصص المرار من أبى لهب وأبى جهل وغيرهما، والمصطلي لكل مكروه والشريك لنبيه في كل أذى، قد نهض بالحمل الثقيل، وبان بالامر الجليل، ومن الذي كان يخرج ليلا من الشعب على هيئة السارق، يخفى نفسه، ويضائل شخصه، حتى يأتي إلى من يبعثه إليه أبو طالب من كبراء قريش، كمطعم بن عدي وغيره، فيحمل لبني هاشم على ظهره أعدال الدقيق والقمح، وهو على أشد خوف من أعدائهم، كأبي جهل وغيره، لو ظفروا به لأراقوا دمه. أعلي كان يفعل دلك أيام الحصار في الشعب، أم أبو بكر وقد ذكر هو عليه السلام حاله يومئذ، فقال في خطبة له مشهورة فتعاقدوا الا يعاملونا ولا يناكحونا، وأوقدت الحرب علينا نيرانها، واضطرونا إلى جبل وعر، مؤمننا يرجو الثواب، وكافرنا يحامى عن الأصل، ولقد كانت القبائل كلها اجتمعت عليهم، وقطعوا عنهم المارة والميرة، فكانوا يتوقعون الموت جوعا، صباحا ومساء، لا يرون وجها ولا فرجا، قد اضمحل عزمهم، وانقطع رجاؤهم، فمن الذي خلص إليه مكروه تلك المحن بعد محمد صلى الله عليه وآله الا علي عليه السلام وحده وما عسى أن يقول الواصف والمطنب في هذه الفضيلة، من تقصى معانيها، وبلوغ غاية كنهها، وفضيلة الصابر عندها ودامت هذه المحنة عليهم ثلاث سنين، حتى انفرجت عنهم بقصة الصحيفة، د والقصة مشهورة.
وكيف يستحسن الجاحظ لنفسه أن يقول في علي عليه السلام انه قبل الهجرة كان وادعا رافها لم يكن مطلوبا ولا طالبا، وهو صاحب الفراش الذي فدى رسول الله صلى الله عليه وآله بنفسه، ووقاه بمهجته، واحتمل السيوف ورضح الحجارة دونه وهل ينتهى الواصف وان أطنب، والمادح وان أسهب، إلى الإبانة عن مقدار هذه الفضيلة، والايضاح بمزية هذه الخصيصة.