[ذكر طرف من سيره النبي عليه السلام عند موته] فاما وفاه رسول الله صلى الله عليه وآله وما ذكره أرباب السيرة فيها فقد ذكرنا طرفا منه فيما تقدم; ونذكر ها هنا طرفا آخر مما أورده أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في تاريخه.
قال أبو جعفر: روى أبو مويهبة (1) مولى رسول الله صلى الله عليه وآله، قال:
أرسل (2) إلى رسول الله صلى الله عليه وآله في جوف الليل، فقال: " يا أبا مويهبة انى قد أمرت أن استغفر لأهل البقيع، فانطلق معي " فانطلقت معه، فلما وقف بين أظهرهم، قال: " السلام عليكم يا أهل المقابر، ليهن لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، يتبع آخرها أولها، الآخرة شر من الأولى " ثم اقبل على فقال: " يا أبا مويهبة انى قد أوهبت (3) مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها والجنة (4)، فخيرت بينها وبين الجنة، فاخترت الجنة "، فقلت: بأبي أنت وأمي فخذ مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها والجنة جميعا، فقال: " لا يا أبا مويهبة، اخترت لقاء ربى " ثم استغفر لأهل البقيع وانصرف، فبدا بوجعه الذي قبضه الله فيه (5).
وروى محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن عائشة، قالت: رجع رسول الله صلى الله عليه وآله تلك الليلة من البقيع، فوجدني وانا أجد صداعا في رأسي، وأقول: وا رأساه فقال: بل انا وا رأساه ثم قال: " ما ضرك لو مت قبلي، فقمت عليك فكفنتك، وصليت عليك ودفنتك " فقلت: والله لكأني