فقد علم الناس أن عليا عليه السلام إنما ظهر فضله، وانتشر صيته، وامتحن ولقى المشاق منذ يوم بدر، وانه إنما قاتل في الزمان الذي استوفى فيه أهل الاسلام، وأهل الشرك، وطمعوا في أن يكون الحرب بينهم سجالا، وأعلمهم الله تعالى أن العاقبة للمتقين، وأبو بكر كان قبل الهجرة معذبا ومطرودا مشردا، في الزمان الذي ليس بالاسلام وأهله نهوض ولا حركة، ولذلك قال أبو بكر في خلافته طوبى لمن مات في فأفأة الاسلام يقول في ضعفه (1).
قال أبو جعفر رحمه الله لا أشك أن الباطل خان أبا عثمان، والخطأ أقعده، والخذلان أصاره إلى الحيرة، فما علم وعرف حتى قال ما قال، فزعم أن عليا عليه السلام قبل الهجرة لم يمتحن ولم يكابد المشاق، وانه إنما قاسى مشاق التكليف ومحن الابتلاء منذ يوم بدر، ونسي الحصار في الشعب، وما منى به منه، وأبو بكر وادع رافه، يأكل ما يريد، ويجلس مع من يحب، مخلى سربه، طيبة نفسه، ساكنا قلبه، وعلى يقاسي الغمرات، ويكابد الأهوال، ويجوع ويظمأ، ويتوقع القتل صباحا ومساء، لأنه كان هو المتوصل المحتال في احضار قوت زهيد من شيوخ قريش وعقلائها سرا، ليقيم به رمق رسول الله صلى الله عليه وآله وبنى هاشم، وهم في الحصار، ولا يأمن في كل وقت مفاجأة أعداء رسول الله صلى الله عليه وآله له بالقتل، كأبي جهل بن هشام وعقبه بن أبي معيط، والوليد بن المغيرة، وعتبة ابن ربيعة وغيرهم من فراعنة قريش وجبابرتها، ولقد كان يجيع نفسه ويطعم رسول الله صلى الله عليه وآله زاده، ويظمئ نفسه ويسقيه ماءه وهو كان المعلل له إذا مرض، والمؤنس له إذا استوحش، وأبو بكر بنجوة عن ذلك لا يمسه مما يمسهم ألم، ولم يلحقه مما يلحقهم مشقة، ولا يعلم بشئ من اخبارهم وأحوالهم، الا على سبيل الاجمال دون التفصيل، ثلاث سنين، محرمة معاملتهم ومناكحتهم ومجالستهم، محبوسين محصورين ممنوعين من الخروج