شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ١٣ - الصفحة ٢٤٩
وقد غمر الجاحظ في كتابه هذا أن أبا بكر كان قبل اسلامه مذكورا، ورئيسا معروفا، يجتمع إليه كثير من أهل مكة فينشدون الاشعار، ويتذاكرون الاخبار: ويشربون الخمر، وقد كان سمع دلائل النبوة وحجج الرسل، وسافر إلى البلدان، ووصلت إليه الاخبار، وعرف دعوى الكهنة وحيل السحرة، ومن كان كذلك كان انكشاف الأمور له أظهر والاسلام عليه أسهل، والخواطر على قلبه أقل اعتلاجا، وكل ذلك عون لأبي بكر على الاسلام، ومسهل إليه سبيله، ولذلك لما قال النبي صلى الله عليه وآله (اتيت بيت المقدس) سأله أبو بكر عن المسجد ومواضعه، فصدقه وبان له امره، وخفت مؤنته لما تقدم من معرفته بالبيت، فخرج إذا اسلام أبى بكر على قول الجاحظ من معنى المقتضب وفى ذلك رويتم عنه صلى الله عليه وآله أنه قال ما دعوت أحدا إلى الاسلام الا وكان له تردد ونبوة، الا ما كان من أبى بكر، فإنه لم يتلعثم حتى هجم به اليقين إلى المعرفة والاسلام، فأين هذا واسلام من خلى وعقله، والجئ إلى نظره، مع صغر سنه، واعتلاج الخواطر على قلبه ونشأته، في ضد ما دخل فيه، والغالب على أمثاله وأقرانه حب اللعب واللهو فلجا إلى ما ظهر له من دلائل الدعوة، ولم يتأخر اسلامه فيلزمه التقصير بالمعصية، فقهر شهوته، وغالب خواطره وخرج من عادته وما كان غذي به لصحة نظره، ولطافة فكره وغامض فهمه، فعظم استنباطه، ورجح فضله، وشرف قدر اسلامه، ولم يأخذ من الدنيا بنصيب، ولا تنعم فيها بنعيم حدثا ولا كبيرا، وحمى نفسه عن الهوى، وكسر شره حداثته بالتقوى، واشتغل بهم الدين عن نعيم الدنيا، واشغل هم الآخرة قلبه، ووجه إليه رغبته، فإسلامه هو السبيل الذي لم يسلم عليه أحد غيره، وما سبيله في ذلك الا كسبيل الأنبياء، ليعلم أن منزلته من النبي صلى الله عليه وآله كمنزلة هارون من موسى، وانه وإن لم يكن نبيا، فقد كان في سبيل الأنبياء سالكا، ولمنهاجهم متبعا، وكانت حاله كحال إبراهيم عليه السلام، فان
(٢٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 244 245 246 247 248 249 250 251 252 253 254 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 224 - من كلام له عليه السلام في وصف بيعته بالخلافة 3
2 225 - من خطبة له عليه السلام يحث فيها على التقوى ويستطرد إلى وصف الزهاد 5
3 226 - من خطبة له عليه السلام كلم به عبد الله بن زمعة على إثر خلافته 9
4 227 - من كلام له عليه السلام كلم به عبد الله بن زمعة على إثر خلافته 10
5 228 - من كلام له عليه السلام في وصف اللسان، واستطرد إلى وصف زمانه 12
6 ذكر من أرتج عليهم أو حصروا عند الكلام 13
7 229 - من كلام له عليه السلام، وقد ذكر عنده اختلاف الناس 18
8 230 - من كلام له عليه السلام قاله وهو يلي غسل رسول الله وتجهيزه 27
9 ذكر طرف من سيرة النبي عليه السلام عند موته 27
10 231 - من خطبة له عليه السلام في تمجيد الله وتوحيده، وذكر رسالة محمد عليه السلام، ثم استطرد إلى عجيب خلق الله لأصناف الحيوان 44
11 من أشعار الشارح في المناجاة 50
12 فصل في ذكر أحوال الذرة وعجائب النملة 57
13 ذكر غرائب أحوال الجرادة وما احتوت عليه من صنوف الصنعة 67
14 232 - من خطبة له عليه السلام في التوحيد 69
15 233 - من خطبة له عليه السلام تختص بالملاحم 95
16 234 - من خطبة له عليه السلام يوصى الناس فيها بالتقوى ويذكرهم الموت ويحذرهم الغفلة 99
17 235 - من كلام له عليه السلام في الإيمان 101
18 قصة وقعت لأحد الوعاظ ببغداد 107
19 236 - من خطبة له عليه السلام في الحث على التقوى ويذكر الناس بأمر الآخرة 110
20 237 - من خطبة له عليه السلام في حمد الله وتمجيده والتزهيد في الدنيا والترغيب في الآخرة 115
21 238 - من خطبة له عليه السلام، وهي التي تسمى الخطبة القاصعة، وتتضمن ذم إبليس، ويحذر الناس من سلوك طريقته 127
22 فصل في ذكر الأسباب التي دعت العرب إلى وأد البنات 174
23 ذكر ما كان من صلة علي برسول الله في صغره 198
24 ذكر حال رسول الله في نشوئه 201
25 القول في إسلام أبي بكر وعلي وخصائص كل منه 215
26 239 - من كلام له عليه السلام قاله لعبد الله بن، وقد جاء برسالة من عثمان وهو محصور 296
27 وصية العباس قبل موته لعلي 297
28 240 - من كلام له عليه السلام اقتص فيه ما كان منه بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم ثم لحاقه به 303
29 241 - من خطبة له عليه السلام في الزهد 307
30 242 - من خطبة له عليه السلام في شأن الحكمين وذم أهل الشام 309
31 فصل في نسب أبي موسى والرأي فيه عند المعتزلة 313
32 243 - من خطبة له عليه السلام يذكر فيها آل محمد عليه السلام 317