أو ثمان وعرف فضل ما بين الأنبياء والكهنة، وفرق ما بين الرسل والسحرة، وفرق ما بين خبر النبي والمنجم، وحتى عرف كيد الأريب (1)، وموضع الحجة، و (2 وبعد غور المتنبي 2)، كيف يلبس على العقلاء، وتستمال عقول الدهماء، وعرف الممكن في الطبع من الممتنع، ما يحدث بالاتفاق مما يحدث بالأسباب، وعرف قدر القوى وغاية الحيلة ومنتهى التمويه والخديعة، وما لا يحتمل أن يحدثه الا الخالق سبحانه، وما يجوز على الله في حكمته مما لا يجوز، وكيف التحفظ من الهوى والاحتراس من الخداع، لكان كونه على هذه الحال وهذه مع فرط الصبا و الحداثة وقلة التجارب والممارسة خروجا من العادة. ومن المعروف مما عليه تركيب هذه الخلقة، وليس يصل أحد إلى معرفه نبي وكذب متنبئ، حتى يجتمع فيه هذه المعارف التي ذكرناها، والأسباب التي وصفناها وفصلناها، ولو كان علي عليه السلام على هذه الصفة ومعه هذه الخاصية لكان حجة على العامة، وآية تدل على النبوة، ولم يكن الله عز وجل ليخصه بمثل هذه الأعجوبة الا وهو يريد أن يحتج بها، ويجعلها قاطعة لعذر الشاهد وحجة على الغائب. ولولا إن الله أخبر عن يحيى بن زكريا انه اتاه الحكم صبيا، وانه أنطق عيسى في المهد ما كانا في الحكم [ولا في المغيب]، (3) الا كسائر الرسل، وما عليه جميع البشر. فإذا لم ينطق لعلى عليه السلام بذلك قرآن، ولا جاء الخبر به مجئ الحجة القاطعة والمشاهدة القائمة، فالمعلوم عندنا في الحكم أن طباعه كطباع عميه حمزة والعباس، وهما أمس بمعدن جماع الخير منه، أو كطباع جعفر وعقيل من رجال قومه، وسادة رهطه. ولو أن انسانا ادعى مثل ذلك لأخيه جعفر أو لعميه حمزة والعباس، ما كان عندنا في امره الا مثل ما عندنا فيه (4).
أجاب شيخنا أبو جعفر رحمه الله فقال هذا كله مبنى على أنه أسلم وهو ابن سبع أو ثمان، ونحن قد بينا انه أسلم بالغا ابن خمس عشره سنه أو ابن أربع عشره سنة، على