الطعام ودعاء القوم صغير مميز وغر غير عاقل وهل يؤتمن على سر النبوة طفل ابن خمس سنين أو ابن سبع وهل يدعى في جملة الشيوخ والكهول الا عاقل لبيب وهل يضع رسول الله صلى الله عليه وآله يده في يده، ويعطيه صفقة يمينه، بالاخوة والوصية والخلافة الا وهو أهل لذلك، بالغ حد التكليف، محتمل لولاية الله وعداوة أعدائه وما بال هذا الطفل لم يأنس بأقرانه، ولم يلصق بأشكاله، ولم ير مع الصبيان في ملاعبهم بعد اسلامه، وهو كأحدهم في طبقته، كبعضهم في معرفته.
وكيف لم ينزع إليهم في ساعة من ساعاته، فيقال دعاه داعي الصبا وخاطر من خواطر الدنيا، وحملته الغرة والحداثة على حضور لهوهم والدخول في حالهم، بل ما رأيناه الا ماضيا على اسلامه، مصمما في امره، محققا لقوله بفعله، قد صدق اسلامه بعفافه وزهده، ولصق برسول الله صلى الله عليه وآله من بين جميع من بحضرته، فهو أمينه وأليفه في دنياه وآخرته، وقد قهر شهوته، وجاذب خواطره، صابرا على ذلك نفسه، لما يرجو من فوز العاقبة وثواب الآخرة، وقد ذكر هو عليه السلام في كلامه وخطبة بدء حاله، وافتتاح امره، حيث أسلم لما دعا رسول الله صلى الله عليه وآله الشجرة، فأقبلت تخد الأرض، فقالت قريش ساحر خفيف السحر فقال علي عليه السلام يا رسول الله، انا أول من يؤمن بك، آمنت بالله ورسوله وصدقتك فيما جئت به، وانا اشهد أن الشجرة فعلت ما فعلت بأمر الله تصديقا لنبوتك، وبرهانا على صحة دعوتك، فهل يكون ايمان قط أصح من هذا الايمان وأوثق عقدة، واحكم مرة ولكن حنق العثمانية وغيظهم، وعصبية الجاحظ وانحرافه مما لا حيلة فيه. ثم لينظر المنصف وليدع الهوى جانبا، ليعلم نعمة الله على علي عليه السلام بالاسلام حيث أسلم على الوضع الذي أسلم عليه، فإنه لولا الألطاف التي خص بها، والهداية التي منحها، لما كان الا كبعض أقارب محمد صلى الله عليه وآله وأهله، فقد كان ممازجا له كممازجته، ومخالطا له كمخالطة كثير من أهله ورهطه، ولم يستجب منهم