الصغير والكبير، والعالم والجاهل، ممن بلغه ذكر علي عليه السلام، وعلم مبعث النبي صلى الله عليه وآله أن عليا عليه السلام لم يولد في دار الاسلام، ولا غذي في حجر الايمان، وإنما استضافه رسول الله صلى الله عليه وآله إلى نفسه سنة القحط والمجاعة، وعمره يومئذ ثماني سنين، فمكث معه سبع سنين حتى اتاه جبرئيل بالرسالة، فدعاه وهو بالغ كامل العقل إلى الاسلام، فأسلم بعد مشاهدة المعجزة، وبعد اعمال النظر والفكرة، وإن كان قد ورد في كلامه انه صلى سبع سنين قبل الناس كلهم، فإنما يعنى ما بين الثمان والخمس عشرة، ولم يكن حينئذ دعوة ولا رسالة، ولا ادعاء نبوة، وإنما كان رسول الله صلى الله عليه وآله يتعبد على ملة إبراهيم ودين الحنيفية، ويتحنث ويجانب الناس، ويعتزل ويطلب الخلوة، وينقطع في جبل حراء، وكان علي عليه السلام معه كالتابع والتلميذ، فلما بلغ الحلم، وجاءت النبي صلى الله عليه وآله الملائكة، وبشرته بالرسالة، دعاه فأجابه عن نظر ومعرفة بالأعلام المعجزة، فكيف يقول الجاحظ إن اسلامه لم يكن مقتضبا.
وإن كان اسلامه ينقص عن اسلام غيره في الفضيلة لما كان يمرن عليه من التعبد مع رسول الله صلى الله عليه وآله قبل الدعوة، لتكونن طاعة كثير من المكلفين أفضل من طاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وأمثاله من المعصومين، لان العصمة عند أهل العدل لطف يمنع من اختص به من ارتكاب القبيح، فمن اختص بذلك اللطف كانت الطاعة عليه أسهل، فوجب أن يكون ثوابه أنقص من ثواب من أطاع مع تلك الألطاف.
وكيف يقول الجاحظ إن اسلامه ناقص عن اسلام غيره، وقد جاء في الخبر انه أسلم يوم الثلاثاء، واستنبئ النبي صلى الله عليه وآله يوم الاثنين، فمن هذه حالة لم تكثر حجج الرسالة على سمعه، ولا تواترت اعلام النبوة على مشاهدته، ولا تطاول الوقت عليه لتخف محنته، ويسقط ثقل تكليفه، بل بان فضله، وظهر حسن اختياره لنفسه، إذ أسلم في حال بلوغه، وعانى نوازع طبعه، ولم يؤخر ذلك بعد سماعه.