أحد له الا بعد حين. ومنهم من لم يستجب له أصلا، فان جعفرا عليه السلام كان ملتصقا به، ولم يسلم حينئذ، وكان عتبة بن أبي لهب ابن عمه وصهره زوج ابنته ولم يصدقه، بل كان شديدا عليه، وكان لخديجة بنون من غيره، ولم يسلموا حينئذ، وهم ربائبه (1) ومعه في دار واحدة. وكان أبو طالب أباه في الحقيقة وكافله وناصره، والمحامي عنه، ومن لولاه لم تقم له قائمة، ومع ذلك لم يسلم في أغلب الروايات، وكان العباس عمه وصنو أبيه، وكالقرين له في الولادة والمنشأ والتربية، ولم يستجب له الا بعد حين طويل، وكان أبو لهب عمه، وكدمه ولحمه، ولم يسلم، وكان شديدا عليه، فكيف ينسب اسلام علي عليه السلام إلى الألف والتربية والقرابة واللحمة والتلقين والحضانة، والدار الجامعة، وطول العشرة والانس والخلوة وقد كان كل ذلك حاصلا لهؤلاء أو لكثير منهم، ولم يهتد أحد منهم إذ ذاك، بل كانوا بين [من] (2) جحد وكفر ومات على كفره، ومن أبطأ وتأخر، وسبق بالاسلام وجاء سكيتا، وقد فاز بالمنزلة غيره.
وهل يدل تأمل حال علي عليه السلام مع الانصاف الا على أنه أسلم، لأنه شاهد الاعلام، ورأي المعجزات، وشم ريح النبوة، ورأي نور الرسالة، وثبت اليقين في قلبه بمعرفة وعلم ونظر صحيح، لا بتقليد ولا حمية، ولا رغبة ولا رهبة، الا فيما يتعلق بأمور الآخرة.
قال الجاحظ فلو أن عليا عليه السلام كان بالغا حيث أسلم، لكان اسلام أبى بكر وزيد بن حارثة وخباب بن الأرت أفضل من اسلامه، لان اسلام المقتضب (4) الذي لم يعتد به ولم يعوده، ولم يمرن عليه، أفضل من اسلام الناشئ الذي ربى فيه، ونشأ وحبب