وقوله: " ما كان بالمدينة فلا أجل فيه، وما غاب فأجله وصول أمرك إليه " كلام شريف فصيح، لان الحاضر أي معنى لتأجيله! والغائب فلا عذر بعد وصول الامر في تأخيره، لان السلطان لا يؤخر أمره.
وقد ذكرنا من الاحداث التي نقمت على عثمان فيما تقدم ما فيه كفاية، وقد ذكر أبو جعفر محمد بن جرير الطبري رحمه الله في التاريخ الكبير (1) هذا الكلام، فقال:
أن نفرا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله تكاتبوا، فكتب بعضهم إلى بعض:
أن اقدموا، فإن الجهاد بالمدينة لا بالروم، واستطال الناس على عثمان، ونالوا منه، وذلك في سنة أربع وثلاثين، ولم يكن أحد من الصحابة يذب عنه ولا ينهى، إلا نفر، منهم زيد بن ثابت، وأبو أسيد الساعدي، وكعب بن مالك، وحسان بن ثابت، فاجتمع الناس، فكلموا علي بن أبي طالب عليه السلام وسألوه أن يكلم عثمان، فدخل عليه وقال له: إن الناس... وروى الكلام إلى آخره بألفاظه، فقال عثمان: وقد (2 علمت أنك لتقولن 2) ما قلت! أما والله لو كنت مكاني ما عنفتك، ولا عتبت عليك (3) ولم آت منكرا، إنما وصلت رحما، وسددت خلة، وآويت ضائعا، ووليت شبيها بمن كان عمر يوليه، أنشدك الله يا علي، ألا تعلم (4) أن المغيرة بن شعبة ليس هناك! قال: بلى قال:
أفلا تعلم أن عمر ولاه! قال: بلى، قال فلم تلومني أن وليت ابن عامر في رحمه وقرابته!
فقال علي عليه السلام: إن عمر كان يطأ على صماخ من يوليه، ثم يبلغ منه إن أنكر منه أمرا أقصى العقوبة وأنت فلا تفعل، ضعفت ورققت على أقربائك.