قال نصر: وحدثنا عمر بن سعد، قال: لما أسرع أهل العراق في أهل الشام، قال لهم معاوية: هذا يوم تمحيص، وإن لهذا اليوم ما بعده، وقد أسرعتم في القوم كما أسرعوا فيكم، فاصبروا وموتوا كراما. وحرض علي عليه السلام أصحابه فقام إليه الأصبغ بن نباتة وقال: يا أمير المؤمنين، قدمني في البقية من الناس، فإنك لا تفقد لي اليوم صبرا ولا نصرا، أما أهل الشام فقد أصبنا منهم، وأما نحن ففينا بعض البقية، ائذن لي فأتقدم، فقال له: تقدم على اسم الله والبركة، فتقدم وأخذ الراية ومضى بها، وهو يقول:
إن الرجاء بالقنوط يدمغ * حتى متى يرجو البقاء الأصبغ!
أما ترى أحداث دهر تنبغ * فأدبغ هواك، والأديم يدبغ والرفق فيما قد تريد أبلغ * اليوم شغل، وغدا لا تفرغ فما رجع إلى علي عليه السلام حتى خضب سيفه دما ورمحه. وكان شيخا ناسكا عابدا، وكان إذا لقى القوم بعضهم بعضا يغمد سيفه، وكان من ذخائر علي عليه السلام ممن قد بايعه على الموت، وكان علي عليه السلام يضن به عن الحرب والقتال (1).
قال نصر: وحدثنا عمرو بن شمر، عن جابر قال: نادى الأشتر يوما أصحابه، فقال: أما من رجل يشرى نفسه لله! فخرج أثال بن حجل بن عامر المذحجي فنادى بين العسكرين: هل من مبارز؟ فدعا معاوية - وهو لا يعرفه - أباه حجل بن عامر المذحجي، فقال: دونك الرجل - قال: وكانا مستبصرين في رأيهما - فبرز كل واحد منهما إلى صاحبه، فبدره بطعنة وطعنه الغلام، وانتسبا فإذا هو ابنه، فنزلا فاعتنق كل