فطاعن عمرا حتى رجع، وأنصرف الفريقان بعد شدة القتال، ولم يسر معاوية ذلك، وغدا بسر بن أبي أرطاة في اليوم الثالث في حماة الخيل، فلقى قيس بن سعد ابن عبادة في كماة الأنصار، فاشتدت الحرب بينهما، وبرز قيس كأنه فنيق مقرم، وهو يقول:
أنا ابن سعد زانه عباده * والخزرجيون كماة ساده ليس فراري في الوغى بعاده * إن الفرار للفتى قلادة يا رب أنت لقني الشهادة * فالقتل خير من عناق غاده * حتى متى تثنى لي الوسادة * وطاعن خيل بسر، وبرز بسر فارتجز وقال:
أنا ابن أرطاة العظيم القدر * مردد في غالب وفهر ليس الفرار من طباع بسر * إن أرجع اليوم بغير وتر وقد قضيت في العدو نذري * يا ليت شعري كم بقي من عمري!
ويطعن بسر قيسا، ويضربه قيس بالسيف، فرده على عقبيه، ورجع القوم جميعا، ولقيس الفضل وتقدم عبيد الله بن عمر بن الخطاب في اليوم الرابع، لم يترك فارسا مذكورا إلا جمعه، واستكثر ما استطاع، فقال له معاوية: إنك اليوم تلقى أفعى أهل العراق، فارفق واتئد، فلقيه الأشتر أمام الخيل مزبدا - وكان الأشتر إذا أراد القتال أزبد - وهو يقول:
يا رب قيض لي سيوف الكفرة * واجعل وفاتي بأكف الفجرة فالقتل خير من ثياب الحبره * لا تعدل الدنيا جميعا وبره * ولا بعوضا في ثواب البررة *