واحد منهما صاحبه، وبكيا. فقال له الأب: يا بنى هلم إلى الدنيا. فقال له الغلام: يا أبي هلم إلى الآخرة. ثم قال: يا أبت والله لو كان من رأيي الانصراف إلى أهل الشام لوجب عليك أن يكون من رأيك لي أن تنهاني، وا سوأتاه! فماذا أقول لعلى وللمؤمنين الصالحين!
كن على ما أنت عليه، وأنا على ما أنا عليه. فانصرف حجل إلى صف الشام، وانصرف ابنه أثال إلى أهل العراق، فخبر كل واحد منهما أصحابه، وقال في ذلك حجل:
إن حجل بن عامر وأثالا * أصبحا يضربان في الأمثال أقبل الفارس المدجج في النقع أثال يدعو يريد نزالي دون أهل العراق يخطر كالفحل على ظهر هيكل ذيال فدعاني له ابن هند وما * زال قليلا في صحبه أمثالي فتناولته ببادرة الرمح وأهوى بأسمر عسال فاطعنا وذاك من حدث الدهر * عظيم، فتى بشيخ بجال (1) شاجرا بالقناة صدر أبيه * وعزيز على طعن أثال (2) لا أبالي حين اعترضت أثالا * وأثال كذاك ليس يبالي فافترقنا على السلامة، والنفس يقيها مؤخر الآجال لا يراني على الهدى وأراه * من هداي على سبيل ضلال فلما انتهى شعره إلى أهل العراق، قال أثال ابنه مجيبا له (3):
إن طعني وسط العجاجة حجلا * لم يكن في الذي نويت عقوقا كنت أرجو به الثواب من الله * وكوني مع النبي رفيقا