قوله: " وأخذوا بأطراف الأرض "، أي أخذوا على الناس بأطراف الأرض، أي حصروهم، يقال لمن استولى على غيره وضيق عليه: قد أخذ عليه بأطراف الأرض، قال الفرزدق:
أخذنا بأطراف السماء عليكم * لنا قمراها والنجوم الطوالع (1) وزحفا زحفا، منصوب على المصدر المحذوف الفعل، أي يزحفون زحفا، والكلمة الثانية تأكيد للأولى. وكذلك قوله: " وصفا صفا ".
ثم ذكر أن بعض هؤلاء المتأسف عليهم هلك، وبعض نجا، وهذا ينحى قوله تعالى:
(فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر) (2).
ثم ذكر أن هؤلاء قوم وقذتهم العبادة، وانقطعوا عن الناس، وتجردوا عن العلائق الدنيوية، فإذا ولد لأحدهم مولود لم يبشر به، وإذا مات له ميت لم يعز عنه.
ومرهت عين فلان، بكسر الراء، إذا فسدت لترك الكحل، لكن أمير المؤمنين عليه السلام جعل مره عيون هؤلاء من البكاء من خوف خالقهم سبحانه. وذكر أن بطونهم خماص من الصوم، وشفاههم ذابلة من الدعاء، ووجوههم مصفرة من السهر، لأنهم يقومون الليل وعلى وجوههم غبرة الخشوع.
ثم قال: " أولئك إخواني الذاهبون ". فإن قلت: من هؤلاء الذين يشير عليه السلام إليهم؟
قلت: هم قوم كانوا في نأنأة الاسلام وفي زمان ضعفه وخموله أرباب زهد وعبادة وجهاد شديد في سبيل الله، كمصعب بن عمير من بنى عبد الدار، وكسعد بن معاذ من الأوس، وكجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة، وغيرهم ممن استشهد من الصالحين