بالتأديب والارشاد وإرهاق الهمم والعزائم، بالتبصير والوعظ والتحريض والتشجيع، وإن كان الثاني تداركت الامر معكم، إما بالاستنجاد بغيركم من قبائل العرب وأهل خراسان والحجاز، فكلهم كانوا شيعته وقائلين بإمامته، أو بما أراه في ذلك الوقت من المصلحة التي تحكم بها الحال الحاضرة.
قال: لو فعلت ذلك لكانت هي العقدة الوثقى، أي الرأي الأصوب الأحزم.
فإن قلت: أفتقولون إنه أخطأ في العدول عن هذا الرأي؟
قلت: لا نقول إنه أخطأ بمعنى الاثم، لأنه إنما فعل ما تغلب على ظنه أنه المصلحة، وليس الواجب عليه إلا ذلك، ولكنه ترك الرأي الأصوب كما قال الحسن:
" هلا مضيت قدما لا أبالك! "، ولا يلحق الاثم من غلب على ظنه في حكم السياسة أمر فاعتمده، ثم بان له أن الأصوب كان خلافه، وقد قيل إن قوله:
لقد عثرت عثرة لا تنجبر * سوف أكيس بعدها وأستمر * وأجمع الرأي الشتيت المنتشر * إشارة إلى هذا المعنى، وقيل: فيه غير ذلك مما قدمنا ذكره قبل.
وقال شيخنا أبو عثمان الجاحظ رضي الله عنه: من عرفه عرف أنه غير ملوم في الانقياد معهم إلى التحكيم، فإنه مل من القتل وتجريد السيف ليلا ونهارا، حتى ملت الدماء من إراقته لها، وملت الخيل من تقحمه الأهوال بها، وضجر من دوام تلك الخطوب الجليلة، والأرزاء العظيمة، واستلاب الأنفس، وتطاير الأيدي والأرجل بين يديه، وأكلت الحرب أصحابه وأعداءه، وعطلت السواعد، وخدرت الأيدي التي سلمت من وقائع السيوف بها، ولو أن أهل الشام لم يستعفوا من الحرب، ويستقيلوا من المقارعة والمصادمة،