بالجماعة الفرقة، وبالفرقة الفتنة، فاصدفوا عن نزغاته ونفثاته، واقبلوا النصيحة ممن أهداها إليكم، واعقلوها على أنفسكم.
* * * الشرح:
هذه شبهة من شبهات الخوارج، ومعناها أنك نهيت عن الحكومة أولا ثم أمرت بها ثانيا، فإن كانت قبيحة كنت بنهيك عنها مصيبا، وبأمرك بها مخطئا، وإن كانت حسنة، كنت بنهيك عنها مخطئا، وبأمرك بها مصيبا، فلا بد من خطئك على كل حال.
وجوابها أن للامام أن يعمل بموجب ما يغلب على ظنه من المصلحة، فهو عليه السلام لما نهاهم عنها كان نهيه عنها مصلحة حينئذ، ولما أمرهم بها كانت المصلحة في ظنه قد تغيرت، فأمرهم على حسب ما تبدل وتغير في ظنه، كالطبيب الذي ينهى المريض اليوم عن أمر ويأمره بمثله غدا.
وقوله: " هذا جزاء من ترك العقدة "، يعنى الرأي الوثيق، وفي هذا الكلام اعتراف بأنه بان له وظهر فيما بعد أن الرأي الأصلح كان الاصرار والثبات على الحرب، وأن ذلك وإن كان مكروها، فإن الله تعالى كان يجعل الخيرة فيه، كما قال سبحانه: ﴿فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا﴾ (1).
ثم قال: كنت أحملكم على الحرب وترك الالتفات إلى مكيدة معاوية وعمرو، من رفع المصاحف، فإن استقمتم لي اهتديتم بي، وإن لم تستقيموا فذلك ينقسم إلى قسمين:
أحدهما أن تعوجوا، أي يقع منكم بعض الالتواء، ويسير من العصيان، كفتور الهمة وقلة الجد في الحرب. والثاني التأني والامتناع المطلق من الحرب، فإن كان الأول قومتكم