فأما قوله: " فلقد كنا مع رسول الله صلى الله عليه "، فهو من كلام آخر، وهو قائم بنفسه، إلى قوله: " وصبرا على مضض الجراح "، فهذا آخر الفصل الثاني.
فأما قوله: " لكنا إنما أصبحنا "، فهو كلام ثالث غير منوط بالأولين ولا ملتصق بهما، وهو في الظاهر مخالف ومناقض للفصل الأول، لان الفصل الأول فيه إنكار الإجابة إلى التحكيم، وهذا يتضمن تصويبها، وظاهر الحال أنه بعد كلام طويل. وقد قال الرضى رحمه الله في أول الفصل إنه من جملة كلام طويل، وإنه لما ذكر التحكيم، قال ما كان يقوله دائما، وهو أنى إنما حكمت على أن نعمل في هذه الواقعة بحكم الكتاب، وإن كنت أحارب قوما ما أدخلوا في الاسلام زيغا وأحدثوا به اعوجاجا، فلما دعوني إلى تحكيم الكتاب أمسكت عن قتلهم، وأبقيت عليهم، لأني طمعت في أمر يلم الله به شعث المسلمين، ويتقاربون بطريقة إلى البقية، وهي الابقاء والكف.
فإن قلت: إنه قد قال " نقاتل إخواننا من المسلمين " وأنتم لا تطلقون على أهل الشام المحاربين له لفظة " المسلمين "؟
قلت: إنا وإن كنا نذهب إلى أن صاحب الكبيرة لا يسمى مؤمنا ولا مسلما، فإنا نجيز أن يطلق عليه هذا اللفظ إذا قصد به تمييزه عن أهل الذمة وعابدي الأصنام، فيطلق مع قرينه حال أو لفظ يخرجه عن أن يكون مقصودا به التعظيم والثناء والمدح، فإن لفظة " مسلم " و " مؤمن " تستعمل في أكثر الأحوال كذلك، وأمير المؤمنين عليه السلام لم يقصد بذلك إلا تمييزهم من كفار العرب وغيرهم من أهل الشرك، ولم يقصد مدحهم بذلك، فلم ينكر مع هذا القصد إطلاق لفظ المسلمين عليهم.