ويقول له: إنه لم يعف ما شيدت من معالم التوحيد، بل أخرج الله تعالى لك من ظهري ولدا ابتدع من علوم التوحيد في جاهلية العرب ما لم تبتدعه أنت في جاهلية النبط. بل لو سمع هذا الكلام أرسطو طاليس، القائل بأنه تعالى لا يعلم الجزئيات، لخشع قلبه وقف شعره، واضطرب فكره، ألا ترى ما عليه من الرواء والمهابة، والعظمة والفخامة، والمتانة والجزالة! مع ما قد أشرب من الحلاوة والطلاوة واللطف والسلاسة، لا أرى كلاما يشبه هذا إلا أن يكون كلام الخالق سبحانه، فإن هذا الكلام نبعة من تلك الشجرة، وجدول من ذلك البحر، وجذوة من تلك النار، وكأنه شرح قوله تعالى: (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين) (1).
* * * ثم نعود إلى التفسير فنقول:
النجوى: المسارة، تقول: انتجى القوم وتناجوا، أي تساروا، وانتجيت زيدا إذا خصصته بمناجاتك، ومنه الحديث، أنه صلى الله عليه وآله أطال النجوى مع علي عليه السلام، فقال قوم: لقد أطال اليوم نجوى ابن عمه، فبلغه ذلك فقال: " إني ما انتجيته، ولكن الله انتجاه ". ويقال للسر نفسه النجو، يقال: نجوته نجوا أي ساررته، وكذلك ناجيته مناجاة، وسمى ذلك الامر المخصوص نجوى لأنه يستسر به، فأما قوله تعالى:
(وإذ هم نجوى) فجعلهم هم النجوى، وإنما النجوى فعلهم، فإنما هو كقولك: " قوم رضا " وإنما الرضا، فعلهم، ويقال للذي تساره: النجي على " فعيل "، وجمعه أنجية، قال الشاعر: