مرة حتى جاءكم من لا تعرفون اسمه ولا بيته، يضربكم بسيفه، فأعطيتموها عنوة وأنتم صاغرون. ألا إن آل محمد أئمة الهدى، ومنار سبيل التقى القادة الذادة السادة، بنو عم رسول الله، ومنزل جبريل بالتنزيل، كم قصم الله بهم (1) من جبار طاغ، وفاسق باغ، شيد الله بهم الهدى، وجلا بهم العمى، لم يسمع بمثل العباس! وكيف لا تخضع له الأمم لواجب حق الحرمة! أبو رسول الله بعد أبيه، وإحدى يديه، وجلدة بين عينيه. أمينه يوم العقبة وناصره بمكة، ورسوله إلى أهلها، وحاميه يوم حنين، عند ملتقى الفئتين، لا يخالف له رسما، ولا يعصى له حكما، الشافع يوم نيق (2) العقاب، إلى رسول الله في الأحزاب ها إن في هذا أيها الناس لعبرة لأولي الابصار (3)!
قلت: الأسدي عبد الله بن الزبير. ومن لا يعرفون اسمه ولا بيته، يعنى نفسه، لأنه لم يكن معلوم النسب، وقد اختلف فيه هل هو مولى أم عربي.
ويوم العقبة: يوم مبايعة الأنصار السبعين لرسول الله صلى الله عليه وآله بمكة. ويوم نيق العقاب يوم فتح مكة، شفع العباس ذلك اليوم في أبي سفيان وفي أهل مكة، فعفا النبي صلى الله عليه وآله عنهم.
* * * اجتمع عند المنصور أيام خلافته جماعة من ولد أبيه، منهم عيسى بن موسى والعباس ابن محمد وغيرهما، فتذاكروا خلفاء بنى أمية، والسبب الذي به سلبوا عزهم، فقال المنصور:
كان عبد الملك جبارا لا يبالي ما صنع، وكان الوليد لحانا مجنونا، وكان سليمان همته بطنه وفرجه، وكان عمر أعور بين عميان، وكان هشام رجل القوم. ولم يزل بنو أمية ضابطين لما مهد لهم من السلطان، يحوطونه ويصونونه ويحفظونه، ويحرسون ما وهب الله لهم منه، مع تسنمهم معالي الأمور، ورفضهم أدانيها، حتى أفضى أمرهم إلى أحداث مترفين من أبنائهم فغمطوا النعمة، ولم يشكروا العافية، وأساءوا الرعاية، فابتدأت النقمة منهم،