باستدراج الله إياهم آمنين مكره، مطرحين صيانة الخلافة، مستخفين بحق الرياسة، ضعيفين عن رسوم السياسة، فسلبهم الله العزة، وألبسهم، الذلة، وأزال عنهم النعمة * * * سأل المنصور ليلة عن عبد الله بن مروان بن محمد، فقال له الربيع: إنه في سجن أمير المؤمنين حيا، فقال المنصور: قد كان بلغني كلام خاطبه به ملك النوبة، لما قدم دياره، وأنا أحب أن أسمعه من فيه، فليؤمر بإحضاره. فأحضر فلما دخل خاطب المنصور بالخلافة، فأمره المنصور، بالجلوس، فجلس وللقيد في رجليه خشخشة. قال: أحب أن تسمعني كلاما قاله لك ملك النوبة حيث غشيت بلاده، قال: نعم، قدمت إلى بلد النوبة، فأقمت أياما، فاتصل خبرنا بالملك، فأرسل إلينا فرشا وبسطا وطعاما كثيرا، وأفرد لنا منازل واسعة، ثم جاءني ومعه خمسون من أصحابه، بأيديهم الحراب، فقمت إليه فاستقبلته، وتنحيت له عن صدر المجلس، فلم يجلس فيه، وقعد على الأرض، فقلت له:
ما منعك من القعود على الفرش؟ قال: إني ملك، وحق الملك أن يتواضع لله ولعظمته إذا رأى نعمة متجددة عنده، ولما رأيت تجدد نعمة الله عندي بقصدكم بلادي، واستجارتكم بي، بعد عزكم وملككم، قابلت هذه النعمة بما ترى من الخضوع والتواضع.
ثم سكت وسكت، فلبثنا ما شاء الله، لا يتكلم ولا أتكلم، وأصحابه قيام بالحراب على رأسه. ثم قال لي: لما ذا شربتم الخمر وهي محرمة عليكم في كتابكم؟ فقلت: اجترأ على ذلك عبيدنا بجهلهم، قال: فلم وطئتم الزروع بدوابكم والفساد محرم عليكم في كتابكم ودينكم (1)؟ قلت: فعل ذلك أتباعنا وعمالنا جهلا منهم، قال فلم لبستم الحرير والديباج والذهب، وهو محرم عليكم في كتابكم ودينكم؟ قلت: استعنا في أعمالنا بقوم من