يطلب بالمنازعة ما هو حق، وإن علم أو غلب على ظنه بالإمساك عن طلب حقه أنما يدخل الثلم والوهن عليه خاصة، ويسلم الاسلام من الفتنة، وجب عليه أن يغضي ويصبر على ما أتوا إليه من أخذ حقه، وكف يده، حراسة للاسلام من الفتنة.
فإن قلت: فهلا سلم إلى معاوية وإلى أصحاب الجمل، وأغضى على اغتصاب حقه حفظا للاسلام من الفتنة؟
قلت: إن الجور الداخل عليه من أصحاب الجمل ومن معاوية وأهل الشام، لم يكن مقصورا عليه خاصة، بل كان يعم الاسلام والمسلمين جميعا، لأنهم لم يكونوا عنده ممن يصلح لرياسة الأمة وتحمل أعباء الخلافة، فلم يكن الشرط الذي اشترطه متحققا، وهو قوله:
(ولم يكن فيه جور إلا على خاصة).
وهذا الكلام يدل على أنه عليه السلام لم يكن يذهب إلى أن خلافة عثمان كانت تتضمن جورا على المسلمين والاسلام، وإنما كانت تتضمن جورا عليه خاصة، وأنها وقعت على جهد مخالفة الأولى، لا على جهة الفساد الكلى والبطلان الأصلي، وهذا محض مذهب أصحابنا.
* * * [كلام لعلى قبل المبايعة لعثمان] ونحن نذكر في هذا الموضع ما استفاض في الروايات من مناشدته أصحاب الشورى، وتعديده فضائله وخصائصه التي بان بها منهم ومن غير هم. قد روى الناس ذلك فأكثروا، والذي صح عندنا أنه لم يكن الامر كما روى من تلك التعديدات الطويلة، ولكنه قال لهم بعد أن بايع عبد الرحمن والحاضرون عثمان وتلكأ هو عليه السلام عن البيعة: إن لنا حقا، إن نعطه نأخذه، وإن نمنعه نركب أعجاز الإبل وإن طال السرى، في كلام قد ذكره أهل السيرة، وقد أوردنا بعضه فيما تقدم، ثم قال لهم: أنشدكم الله! أفيكم أحد آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين نفسه، حيث آخى بين بعض المسلمين وبعض غيري