كما أن هارون معصوم عن مثل ذلك، وترادف الأقوال والأفعال من رسول الله صلى الله عليه وآله في أمره التي يضطر معها الحاضرون لها والمشاهدون إياها إلى أن مثله لا يجوز أن يسعى في إراقة دم أمير مسلم، لم يحدث حدثا يستوجب به إحلال دمه.
وهذا الكلام صحيح معقول، وذاك أنا نرى من يظهر ناموس الدين، ويواظب على نوافل العبادات، ونشاهد من ورعه وتقواه ما يتقرر معه في نفوسنا استشعاره الدين، واعتقاده إياه، فيصرفنا ذلك عن قرفه بالعيوب الفاحشة، ونستبعد مع ذلك طعن من يطعن فيه، وننكره ونأباه ونكذبه، فكيف ساغ لأعداء أمير لمؤمنين عليه السلام، مع علمهم بمنزلته العالية في الدين، التي لم يصل إليها أحد من المسلمين، أن يطلقوا ألسنتهم فيه، وينسبوه إلى قتل عثمان أو الممالاة عليه، لا سيما وقد اتصل بهم، وثبت عندهم، أنه كان من أنصاره لا من المجلبين عليه وأنه كان أحسن الجماعة فيه قولا وفعلا.
ثم قال: (ألم تزع الجهال وتردعهم سابقتي عن تهمتي)! وهذا الكلام تأكيد للقول الأول.
ثم قال: إن الذي وعظهم الله تعالى به في القرآن من تحريم الغيبة والقذف وتشبيه ذلك بأكل لحم الميت أبلغ من وعظي لهم، لأنه لا عظة أبلغ من عظة القرآن.
ثم قال: (أنا حجيج المارقين، وخصيم المرتابين)، يعنى يوم القيامة، روى عنه عليه السلام أنه قال: (أنا أول من يجثو للحكومة بين يدي الله تعالى)، وقد روى عن النبي صلى الله عليه وآله مثل ذلك مرفوعا في قوله تعالى: (هذان خصمان اختصموا في ربهم) وأنه صلى الله عليه وآله سئل عنها، فقال: (على وحمزة وعبيدة، وعتبة وشيبة والوليد)، وكانت حادثتهم أول حادثة وقعت فيها مبارزة أهل الايمان لأهل الشرك، وكان المقتول الأول بالمبارزة الوليد بن عتبة، قتله علي عليه السلام، ضربه على رأسه فبدرت عيناه على وجنته،