بما عابوا عليهم فليسلمهم الملك إليهما، ليرداهم (1) إلى بلادهم وقومهم.
فغضب الملك وقال: لا ها الله إذا لا أسلمهم إليهما، ولا أخفر (2) قوما جاوروني ونزلوا بلادي واختاروني على سواي، حتى أدعوهم وأسألهم عما يقول هذان في أمرهم، فإن كانوا كما يقولون أسلمتهم إليهما ورددتهم إلى قومهم، وإن كانوا على غير ذلك منعتهم منهم، وأحسنت جوارهم ما جاوروني.
قالت: ثم أرسل إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهم، فلما جاءهم رسوله اجتمعوا، ثم قال بعضهم لبعض: ما تقولون للرجل إذا جئتموه؟ قالوا: نقول والله ما علمناه، وما أمرنا به نبينا صلى الله عليه وآله كائنا [في ذلك] (3) ما هو كائن، فلما جاءوه، وقد دعا النجاشي أساقفته، فنشروا مصاحفهم حوله، سألهم فقال لهم: ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم، ولم تدخلوا في ديني ولا في دين أحد من هذه الملل؟
قالت أم سلمة: وكان الذي كلمه جعفر بن أبي طالب فقال له:
أيها الملك، إنا كنا قوما في جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسئ الجوار، ويأكل القوى منا الضعيف. فكنا على ذلك حتى بعث الله عز وجل علينا رسولا منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا عليه نحن وآباؤنا من دونه، من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن التجاور، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن سائر الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله لا نشرك به شيئا، وبالصلاة وبالزكاة والصيام.