فلما جاءه كتاب عمرو دعا ابن الحضرمي - وقد كان ظن حين تركه معاوية أياما لا يأمره بالشخوص، أن معاوية قد رجع عن إشخاصه إلى ذلك الوجه - فقال: يا بن الحضرمي، سر على بركة الله إلى أهل البصرة فأنزل في مضر، واحذر ربيعة، وتودد الأزد، وانع ابن عفان، وذكرهم الوقعة التي أهلكتهم، ومن لمن سمع وأطاع دنيا لا تفنى، وأثرة (1) لا يفقدها حتى يفقدنا أو نفقده.
فودعه ثم خرج من عنده، وقد دفع إليه كتابا، وأمره إذا قدم أن يقرأه على الناس.
قال عمرو بن محصن: فكنت معه حين خرج، فلما خرجنا سرنا ما شاء الله أن نسير، فسنح لنا ظبي أعضب (2) عن شمائلنا، فنظرت إليه، فوالله لرأيت الكراهية في وجهه، ثم مضينا حتى نزلنا البصرة في بنى تميم، فسمع بقدومنا أهل البصرة، فجاءنا كل من يرى رأى عثمان، فاجتمع إلينا رؤوس أهلها، فحمد الله ابن الحضرمي وأثنى عليه، ثم قال:
أما بعد، أيها الناس، فإن إمامكم إمام الهدى عثمان بن عفان، قتله علي بن أبي طالب ظلما، فطلبتم بدمه، وقاتلتم من قتله، فجزاكم الله من أهل مصر خيرا، وقد أصيب منكم الملاء الأخيار، وقد جاءكم الله بإخوان لكم، لهم بأس يتقى، وعدد لا يحصى، فلقوا عدوكم الذين قتلوكم، فبلغوا الغاية التي أرادوا صابرين، ورجعوا وقد نالوا ما طلبوا، فمالئوهم وساعدوهم، وتذكروا ثاركم لتشفوا صدوركم من عدوكم.
فقام إليه الضحاك بن عبد الله الهلالي، فقال: قبح الله ما جئتنا به، وما دعوتنا إليه!
جئتنا والله بمثل ما جاء به صاحباك طلحة والزبير، أتيانا وقد بايعنا عليا، واجتمعنا له، فكلمتنا واحدة ونحن على سبيل مستقيم، فدعوانا إلى الفرقة، وقاما فينا بزخرف القول، حتى ضربنا بعضنا ببعض عدوانا وظلما، فاقتتلنا على ذلك، وأيم الله، ما سلمنا من عظيم وبال