ولم يفسره (1)، وتفسيره أن معاوية قال للكاتب: " أكتب على ألا ينقض شرط طاعة " يريد أخذ إقرار عمرو له أنه قد بايعه على الطاعة بيعة مطلقة غير مشروطة بشئ، وهذه مكايدة له لأنه لو كتب ذلك لكان لمعاوية أن يرجع في إعطائه مصر ولم يكن لعمرو أن يرجع عن طاعته، ويحتج عليه برجوعه عن إعطائه مصر، لان مقتضى المشارطة المذكورة أن طاعة معاوية واجبة عليه مطلقا سواء أكانت مصر مسلمة إليه أم لا.
فلما انتبه عمرو إلى هذه المكيدة منع الكاتب من أن يكتب ذلك، وقال: بل أكتب:
" على ألا تنقض طاعة شرطا " يريد أخذ إقرار معاوية له بأنه إذا كان أطاعه لا تنقض طاعته إياه ما شارطه عليه من تسليم مصر إليه. وهذا أيضا مكايدة من عمرو لمعاوية ومنع له من أن يغدر بما أعطاه من مصر.
قال نصر: وكان لعمرو بن العاص ابن عم من بني سهم، أريب (2)، فلما جاء عمرو بالكتاب مسرورا عجب الفتى وقال: ألا تخبرني يا عمرو بأي رأي تعيش في قريش!
أعطيت دينك وتمنيت دنيا غيرك! أترى أهل مصر - وهم قتلة عثمان - يدفعونها إلى معاوية وعلي حي! وأتراها إن صارت لمعاوية لا يأخذها بالحرف الذي قدمة في الكتاب؟ فقال عمرو: يا بن أخي إن الامر لله دون علي ومعاوية، فقال الفتى:
ألا يا هند أخت بني زياد * رمي عمرو بداهية البلاد (3) رمي عمرو بأعور عبشمي * بعيد القعر مخشي الكياد (4) له خدع يحار العقل منها * مزخرفة صوائد للفؤاد فشرط في الكتاب عليه حرفا * يناديه بخدعته المنادي