أم أقعد في بيتي وفي ذاك راحة * لشيخ يخاف الموت في كل شارق (1) وقد قال عبد الله قولا تعلقت * به النفس إن لم تقتطعني عوائقي (2) وخالفه فيه أخوه محمد * وإني لصلب العود عند الحقائق (3) فقال عبد الله: رحل الشيخ (4). ودعا عمرو غلامه وردان، وكان داهيا ماردا، فقال:
ارحل يا وردان، ثم قال: أحطط يا وردان ثم قال: ارحل يا وردان. أحطط يا وردان.
فقال له وردان: خلطت أبا عبد الله! أما إنك إن شئت أنبأتك بما في قلبك، قال: هات ويحك! قال: اعتركت الدنيا والآخرة على قلبك، فقلت: علي معه الآخرة في غير دنيا، وفي الآخرة عوض من الدنيا، ومعاوية معه الدنيا بغير آخرة، وليس في الدنيا عوض من الآخرة، وأنت (5) واقف بينهما، قال: قاتلك الله! ما أخطأت ما في قلبي، فما ترى يا وردان؟ قال: أرى أن تقيم في بيتك، فإن ظهر أهل الدين عشت في عفو (6) دينهم، وإن ظهر أهل الدنيا لم يستغنوا عنك. قال: الآن لما أشهرت العرب سيري إلى معاوية (7)!
فارتحل وهو يقول:
يا قاتل الله وردانا وقدحته * أبدى لعمرك ما في النفس وردان (8) لما تعرضت الدنيا عرضت لها * بحرص نفسي وفي الأطباع إدهان نفس تعف وأخرى الحرص يغلبها * والمرء يأكل تبنا وهو غرثان أما علي فدين ليس يشركه * دنيا وذاك له دنيا وسلطان