فقال: البشرى يا أمير المؤمنين، قال: ما بشراك؟ قال إن القوم عبروا النهر لمبلغهم وصولك، فأبشر، فقد منحك الله أكتافهم، فقال له: آلله أنت رأيتهم قد عبروا! قال نعم، فأحلفه ثلاث مرات، في كلها يقول: نعم فقال علي (ع): والله ما عبروه ولن يعبروه، وإن مصارعهم لدون النطفة، والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، لن يبلغوا الا ثلاث، ولا قصر بوازن، حتى يقتلهم الله، وقد خاب من افترى قال: ثم أقبل فارس آخر يركض، فقال كقول الأول، فلم يكترث علي (ع) بقوله، وجاءت الفرسان تركض كلها تقول مثل ذلك، فقام علي (ع) فجال في متن فرسه قال: فيقول شاب من الناس: والله لأكونن قريبا منه، فإن كانوا عبروا النهر لأجعلن سنان هذا الرمح في عينه، أيدعي علم الغيب! فلما انتهى (ع) إلى النهر وجد القوم قد كسروا جفون سيوفهم، وعرقبوا خيلهم، وجثوا على ركبهم، وحكموا تحكيمة واحدة بصوت عظيم له زجل.
فنزل ذلك الشاب، فقال: يا أمير المؤمنين، إني كنت شككت فيك آنفا، وإني تائب إلى الله واليك، فاغفر لي، فقال علي (ع): إن الله هو الذي يغفر الذنوب فاستغفره.
وذكر أبو العباس محمد بن يزيد المبرد في الكامل قال: لما واقفهم علي (ع) بالنهروان، قال: لا تبدءوهم بقتال حتى يبدأوكم، فحمل منهم رجل على صف علي (ع)، فقتل منهم ثلاثة ثم قال:
أقتلهم ولا أرى عليا * ولو بدا أوجرته الخطيا. (1) فخرج إليه علي (ع) فضربه، فقتله، فلما خالطه، سيفه قال: يا حبذا الروحة إلى الجنة! فقال عبد الله بن وهب: والله ما أدرى إلى الجنة أم إلى النار! فقال رجل منهم