لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع) * [المؤمن: 18]. فقطع صالح عليه القراءة وقال: كيف يكون لظالم حميم أو شفيع، والمطالب له رب العالمين؟ إنك والله لو رأيت الظالمين وأهل المعاصي يساقون في السلاسل والأنكال إلى الجحيم، حفاة عراة، مسودة وجوههم، مزرقة عيونهم، ذائبة أجسادهم، ينادون: يا ويلنا يا ثبورنا! عند ماذا نزل بنا؟ ماذا حل بنا؟ أين يذهب بنا؟ ماذا يراد منا؟
والملائكة تسوقهم بمقامع النيران، فمرة يجرون على وجوههم ويسحبون عليها منكبين، ومرة يقادون إليها مقرنين، من بين باك دما بعد انقطاع الدموع، ومن بين صارخ طائر القلب مبهوت - إنك والله لو رأيتهم على ذلك لرأيت منظرا لا يقوم له بصرك، ولا يثبت له قلبك، ولا تستقر لفظاعة هوله على قرار قدمك! ثم نحب وصاح يا: سوء منظراه! يا سوء منقلباه! وبكى، وبكى الناس. فقام فتى من الأزد كان، به تأنيث، فقال: أكل هذا في القيامة يا أبا بشر؟ قال:
نعم والله يا ابن أخي، وما هو أكثر! لقد بلغني أنهم يصرخون في النار حتى تنقطع أصواتهم، فما يبقى منهم إلا كهيئة الأنين من المدنف. فصاح الفتى: إنا لله! وا غفلتاه عن نفسي أيام الحياة، وا أسفا