بقرب العزيز الجليل. ثم طوى الكتاب ودفعه إلى الشاب وحملنا المال.
فما أمسى مالك وقد بقي عنده مقدار قوت ليلة. فما أتى على الشاب أربعون ليلة، حتى صلى مالك ذات يوم الغداة، فلما انفتل، فإذا بالكتاب في المحراب موضوع، فأخذه مالك فنشره، فإذا في ظهره مكتوب بلا مداد:
هذه براءة من الله العزيز الحكيم لمالك بن دينار: إنا وفينا الشاب القصر الذي ضمنت له وزيادة سبعين ضعفا. قال: فبقي مالك متعجبا; وأخذ الكتاب، فقمنا فذهبنا إلى منزل الشاب، فأقبلنا، فإذا الباب مسود والبكاء في الدار، فقلنا: ما فعل الشاب؟ قالوا: مات بالأمس.
فأحضرنا الغاسل، فقلنا: أنت غسلته؟ قال: نعم. قال مالك:
فحدثنا كيف صنعت؟ قال: قال لي قبل الموت: إذا أنا مت وكفنتني اجعل هذا الكتاب بين كفني وبدني. فجعلت الكتاب بين كفنه وبدنه، ودفنته معه، فأخرج مالك الكتاب; فقال الغاسل: هذا الكتاب بعينه والذي قبضه، لقد جعلته بين كفنه وبدنه بيدي. قال: فكثر البكاء; فقام شاب، فقال: يا مالك! خذ مني مائتي ألف درهم واضمن لي مثل هذا، قال: هيهات! كان ما كان، وفات ما فات; والله يحكم ما يريد!
فكلما ذكر مالك الشاب بكى ودعا له.