بجنازة معها فئام من الناس ووراء الجنازة نسوة صارخات، ونادبة فيما بينهن تقول: بأبي المحمول على الأعواد، المنطلق به إلى الأموات، المخلى في قبره فريدا، والمكون في لحده غريبا، ليت شعري، أيها المنقول! أنت ممن يناشد حملته: أسرعوا بي! أم أنت ممن يناشدهم ارجعوا بي! إلى م تقدموني؟ قال: فأهملت عينا هشام دموعا، فلها عن لذته وجعل يقول: كفى بالموت واعظا. فقالت غضيض: قد قطعت نياط قلبي هذه النادبة. قال هشام: الأمر جد. فنادى الخادم، فنزل عن مستشرفه فمضى، فأغفت غضيض في مجلسها، فأتاها آت في منامها، وقال لها: أنت المفتنة تعالى بجمالك، والملهية بدلالك! كيف أنت إذا نقر في الناقور، وبعثرت القبور، وخرجوا منها إلى النشور، وقوبلوا بالأعمال التي قدموها؟ فاستيقظت مرتاعة وراحت من شرابها، فنادت بعض وصائفها ودعت بماء فاغتسلت، وألقت عنها لباسها وحليها وتدرعت بمدرعة صوف وحزمت وسطها بخيط، وتناولت عصا وألقت في عنقها جرابا. واقتحمت مجلس هشام،
(١٥٢)