على التجارة حتى بلغ منها. وحضرت أباه الوفاة، فقال له ابنه:
يا أبت ألا توص؟ قال: والله يا بني! ما لأبيك مال فيوصي فيه ولكني أعهد إليك عهدا، إذا أنا مت فادفني مع عمومتك واكتب على قبري هذين البيتين:
وكيف يلذ العيش من هو صائر * إلى جدث تبلي الشباب منازله ويذهب رسم الوجه من بعد صونه * سريعا ويبلى جسمه ومفاصله فإذا فعلت ذلك فتعاهدني يكون بنفسي ثلاثا، فادع لي.
ففعل الفتى ذلك.
فلما كان اليوم الثالث سمع من القبر صوتا اقشعر له جلده وتغير له لونه، فرجع منه محموما إلى أهله. فلما كان من الليل أتاه أبوه في منامه، فقال له: أي بني! أنت عندنا عن قليل، والأمر بآخره، والموت أقرب من ذلك، فاستعد لسفرك وتأهب لرحيلك وحول جهازك من المنزل الذي أنت عنه ظاعن إلى المنزل الذي أنت فيه مقيم، ولا تغتر بما اغتر به المبطلون قبلك من طول آمالهم فقصروا عن أمر معادهم فندموا عند الموت أشد الندامة، وأسفوا على تضييع العمر أشد الأسف، فلا الندامة عند الموت تنفعهم، ولا الأسف على التقصير أنقذهم من شر ما وافى به المغبونون مليكهم يوم القيامة أي بني! فبادر! ثم بادر! ثم بادر!.
قال عبيد الله بن صدقة: قال الشيخ الذي حدثني بهذا الحديث: