وزاهد قد تخلى لنفسه وتفرد لعبادته. قال: فحضرت أخاهم العابد الوفاة، فاجتمع عنده أخواه. وكان الذي يصحب السلطان منهم قد ولي بلادنا هذه، أمره عليها عبد الملك بن مروان، وكان ظالما غشوما متعسفا. فاجتمعا عند أخيهما لما احتضر، فقالا له:
أوص. قال: لا والله ما لي من مال فأوصي فيه، ولا لي على أحد دين فأوصي به، ولا أخلف من الدنيا شيئا فأسلبه. بين فقال له أخوه ذو السلطان: أي أخي! قل لي ما بدا لك، فهذا مالي بين يديك، فأوص منه بما أحببت، وأنفذ منه ما بدا لك، واعهد إلي بما شئت. قال:
فسكت عنه. فقال أخوه التاجر: أي أخي! قد عرفت مكسبي وكثرة مالي، فلعل في قلبك غصة من الخير لم تكن تبلغها إلا بالإنفاق فيها، فهذا مالي بين يديك، فاحتكم فيه فما أحببت ينفذ لك أخوك.
فأقبل عليهما، فقال: لا حاجة لي في مالكما، ولكني سأعهد أهل إليكما عهدا فلا تخالفا عهدي. قالا: اعهد. قال: إذا مت فغسلاني وكفناني وادفناني على نشز من الأرض واكتبا على قبري:
وكيف يلذ العيش من هو عالم * بأن إله الخلق لا بد سائله