ولخوف ابن حبان على ضياع الكتب أو فقدانها من المكتبة التي وقفها - وهو يعلم أن الإعارة مضيعة للكتب - فقد اشترط ألا تخرج من الدار التي وقفها فيها، أي منع الإعارة الخارجية التي تذهب بالكتب شيئا فشيئا، وجعل خزانة الكتب في يدي وصي سلمها إليه، ليبذلها لمن يريد نسخ شئ منها من غير أن يخرجه منها، هكذا أحكم ابن حبان الأمر، وأحاط تلك المكتبة بسياج الصيانة والحفظ، إلا أن حوادث الدهر امتدت إليها على حين غفلة من أهلها، لتبعثرها وتبددها، وتخفي نفائسها وكنوزها، وذاك بعد قرابة مئة عام من موت واقفها ابن حبان، ويذكر ذلك مسعود السجزي للخطيب البغدادي بحرقة، فيقول: فكان السبب في ذهابها مع تطاول الزمان ضعف السلطان، واستيلاء ذوي العيث والفساد على أهل تلك البلاد (1). فلا حول ولا قوة إلا بالله.
وفاته:
وبعد حياة جهاد متواصل، قضى جلها في الأسفار، وملأ ساعاتها بالطلب والسماع والإملاء والاستملاء، وعمر أيامها بالتأليف والتصنيف، وتعرض فيها لمحن وأحداث، شاء الله له أن يرجع إلى مسقط رأسه بست، ليمضي فيها بقية عمره، ويوافيه أجله وهو بين أهله وأصحابه وطلابه، وذلك ليلة الجمعة لثماني ليال بقين من شوال سنة 354 ه، فيدفن بعد صلاة الجمعة في الصفة التي ابتناها قرب داره. قال ياقوت: وقبره ببست معروف يزار إلى الآن.
تآليفه:
إن الناظر في تآليف ابن حبان يجد أنه لم يكن حاطب ليل، ولا ناقلا للنصوص من هنا وهناك ليجمعها في مكان واحد فحسب، وإنما يلحظ من خلال تآليفه عقلا محققا، وفكرا عميقا، ونظرا ثاقبا، كان يشبع المسائل بحثا وتمحيصا