والاستغاثة وقال أبو زيد جهشت للبكاء والحزن والشوق والله أعلم وأما قوله بكاء فهو منصوب على المفعول له وقد جاء في رواية للبكاء والبكا يمد ويقصر لغتان وأما قوله وركبني عمر فمعناه تبعني ومشى خلفي في الحال بلا مهلة وأما قوله على اثرى ففيه لغتان فصيحتان مشهورتان بكسر الهمزة واسكان الثاء وبفتحهما والله أعلم قوله (بأبى أنت وأمي) معناه أنت مفدى أو أفديك بأبى وأمي واعلم أن حديث أبي هريرة هذا مشتمل على فوائد كثيرة تقدم في أثناء الكلام منه جمل ففيه جلوس العالم لأصحابه ولغيرهم من المسفتين وغيرهم يعلمهم ويفيدهم ويفتيهم وفيه ما قدمناه أنه إذا أراد ذكر جماعة كثيرة فاقتصر على ذكر بعضهم ذكر أشرافهم أو بعض أشرافهم ثم قال وغيرهم وفيه بيان ما كان الصحابة رضي الله عنهم عليه من القيام بحقوق رسول الله صلى الله عليه وسلم واكرامه والشفقة عليه والانزعاج البالغ لما يطرقه صلى الله عليه وسلم وفيه اهتمام الأتباع بحقوق متبوعهم والاعتناء بتحصيل مصالحه ودفع المفاسد عنه وفيه جواز دخول الانسان ملك غيره بغير اذنه إذا علم أنه يرضى ذلك لمودة بينهما أو غير ذلك فان أبا هريرة رضي الله عنه دخل الحائط وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك ولم ينقل أنه أنكر عليه وهذا غير مختص بدخول الأرض بل يجوز له الانتفاع بأدواته وأكل طعامه والحمل من طعامه إلى بيته وركوب دابته ونحو ذلك من التصرف الذي يعلم أنه لا يشق على صاحبه هذا هو المذهب الصحيح الذي عليه جماهير السلف والخلف من العلماء رحمة الله عليهم وصرح به أصحابنا قال أبو عمر بن عبد البر وأجمعوا على أنه لا يتجاوز الطعام وأشباهه إلى الدراهم والدنانير وأشباههما وفى ثبوت الاجماع في حق من يقطع بطيب قلب صاحبه بذلك نظر ولعل هذا يكون في الدراهم الكثيرة التي يشك أو قد يشك في رضاه بها فإنهم اتفقوا على أنه إذا تشكك لا يجوز التصرف مطلقا فيما تشكك في رضاه به ثم دليل الجواز في الباب
(٢٣٩)