(فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة) معناه أخبرهم أن من كانت هذه صفته فهو من أهل الجنة والا فأبو هريرة لا يعلم استيقان قلوبهم وفى هذا دلالة ظاهرة لمذهب أهل الحق أنه لا ينفع اعتقاد التوحيد دون النطق ولا النطق دون الاعتقاد بل لا بد من الجمع بينهما وقد تقدم ايضاحه في أول الباب وذكر القلب هنا للتأكيد ونفى توهم المجاز وإلا فالاستيقان لا يكون الا بالقلب قوله (فقال ما هاتان النعلان يا أبا هريرة فقلت هاتين نعلا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثني بهما) هكذا هو في جميع الأصول فقلت هاتين نعلا بنصب هاتين ورفع نعلا وهو صحيح معناه فقلت يعنى هاتين هما نعلا رسول الله صلى الله عليه وسلم فنصب هاتين باضمار يعنى وحذف هما التي هي المبتدأ للعلم به وأما قوله بعثني بهما فهكذا ضبطناه بهما على التثنية وهو ظاهر ووقع في كثير من الأصول أو أكثرها بها من غير ميم وهو صحيح أيضا ويكون الضمير عائدا إلى العلامة فان النعلين كانتا علامة والله أعلم قوله (فضرب عمر رضي الله عنه بين ثديي فخررت لاستي فقال ارجع يا أبا هريرة) أما قوله ثديي فتثنية ثدي بفتح الثاء وهو مذكر وقد يؤنث في لغة قليلة واختلفوا في اختصاصه بالمرأة فمنهم من قال يكون للرجل والمرأة ومنهم من قال هو للمرأة خاصة فيكون اطلاقه في الرجل مجازا واستعارة وقد كثر اطلاقه في الأحاديث للرجل وسأزيده ايضاحا إن شاء الله تعالى في باب غلظ تحريم قتل الانسان نفسه وأما قوله لاستي فهو اسم من أسماء الدبر والمستحب في مثل هذا الكناية عن قبيح الأسماء واستعمال المجاز والألفاظ التي تحصل الغرض ولا يكون في صورتها ما يستحيا من التصريح بحقيقة لفظه وبهذا الأدب جاء القرآن
(٢٣٧)