ولم يخبره وسأذكره هذا بعد هذا في فصل مختص به إن شاء الله تعالى ومن ذلك احتياطه في تلخيص الطرق وتحول الأسانيد مع ايجاز العبارة وكمال حسنها ومن ذلك حسن ترتيبه وترصيفه الأحاديث على نسق يقتضيه تحقيقه وكمال معرفته بمواقع الخطاب ودقائق العلم وأصول القواعد وخفيات علم الأسانيد ومراتب الرواة وغير ذلك ذكر مسلم رحمه الله في أول مقدمة صحيحه أنه يقسم الأحاديث ثلاثة أقسام الأول ما رواه الحفاظ المتقنون والثاني ما رواه المستورون المتوسطون في الحفظ والاتقان والثالث ما رواه الضعفاء والمتروكون وأنه إذا فرع من القسم الأول أتبعه الثاني وأما الثالث فلا يعرج عليه فاختلف العلماء في مراده بهذا التقسيم فقال الامامان الحافظان أبو عبد الله الحاكم وصاحبه أبو بكر البيهقي رحمهما الله أن المنية اخترمت مسلما رحمه الله قبل اخراج القسم الثاني وانه إنما ذكر القسم الأول قال القاضي عياض رحمه الله وهذا مما قبله الشيوخ والناس من الحاكم أبي عبد الله وتابعوه عليه قال القاضي وليس الأمر على ذلك لمن حقق نظره ولم يتقيد بالتقليد فإنك إذا نظرت تقسيم مسلم في كتابة الحديث على ثلاث طبقات من الناس كما قال فذكر أن القسم الأول حديث الحفاظ وأنه إذا انقضى هذا أتبعه بأحاديث من لم يوصف بالحذق والاتقان مع كونهم من أهل الستر والصدق وتعاطى العلم ثم أشار إلى ترك حديث من أجمع العلماء أو اتفق الأكثر منهم على تهمته ونفى من اتهمه بعضهم وصححه بعضهم فلم يذكره هنا ووجدته ذكر في أبواب كتابه حديث الطبقتين الأوليين وأتى بأسانيد الثانية منهما على طريق الاتباع للأولى والاستشهاد أو حيث لم يجد في الباب الأول شيئا وذكر أقواما تكلم قوم فيهم وزكاهم آخرون وخرج حديثهم ممن ضعف أو اتهم ببدعة وكذلك فعل البخاري فعندي أنه أتى بطبقاته الثلاث في كتابه على ما ذكر ورتب في كتابه وبينه في تقسيمه وطرح الرابعة كما نص عليه فالحاكم تأول أنه إنما أراد أن يفرد لكل طبقة كتابا ويأتي بأحاديها خاصة مفردة وليس ذلك مراده بل إنما أراد بما ظهر من تأليفه وبان من غرضه أن يجمع ذلك في الأبواب ويأتي بأحاديث الطبقتين فيبدأ بالأولى ثم يأتي بالثانية على طريق الاستشهاد والاتباع حتى استوفى جميع الأقسام الثلاثة ويحتمل أن يكون أراد بالطبقات الثلاث الحفاظ ثم الذين يلونهم والثالثة هي التي طرحها وكذلك علل الحديث التي ذكر ووعد أنه يأتي بها قد جاء بها في مواضعها من
(٢٣)