ومن أكبر الدلائل على جلالته وامامته وورعه وحذقه وقعوده في علوم الحديث واضطلاعه منها وتفننه فيها كتابه الصحيح الذي لم يوجد في كتاب قبله ولا بعده من حسن الترتيب وتلخيص طرق الحديث بغير زيادة ولا نقصان والاحتراز من التحويل في الأسانيد عند اتفاقها من غير زيادة وتنبيهه على ما في ألفاظ الرواة من اختلاف في متن أو اسناد ولو في حرف واعتنائه بالتنبيه على الروايات المصرحة المدلسين وغير ذلك مما هو معروف في كتابه وقد ذكرت في مقدمة شرحي لصحيح مسلم جملا من التنبيه على هذه الأشياء وشبهها مبسوطة ووضحته ثم نبهت على تلك الدقائق والمحاسن في أثناء الشرح في مواطنها وعلى الجملة فلا نظير لكتابه في هذه الدقائق وصنعته الاسناد وهذا عندنا من المحققات التي لا شك فيها للدلائل المتظاهرة عليها. ومع هذا فصحيح البخاري أصح وأكثر فوائد. هذا هو مذهب جمهور العلماء وهو الصحيح المختار. لكن كتاب مسلم في دقائق الأسانيد ونحوها أجود كما ذكرناه وينبغي لكل راغب في علم الحديث أن يعتني به ويتفطن في تلك الدقائق فيرى فيها العجائب من المحاسن. وان ضعف عن الاستقلال باستخراجها استعان بالشرح المذكور وبالله التوفيق. وقد ذكرت في مقدمة شرح صحيح مسلم جملا من المهمات المتعلقة به التي لابد للراغب فيه من معرفتها. مع بيان جملة من أحوال مسلم وأحوال رواة الكتاب عنه.
سفره إلى الأقطار في طلب العلم واعلم أن مسلما رحمه الله أحد أعلام أئمة هذا الشأن. وكبار المبرزين فيه وأهل الحفظ ولاتفاق.
والرحالين في طلبه إلى أئمة الأقطار والبلدان. والمعترف له بالتقدم فيه بلا خلاف عند أهل الحذق والعرفان. والمرجوع إلى كتابه والمعتمد عليه في كل الأزمان. سمع بخراسان يحيى بن يحيى وإسحاق ابن راهويه وآخرين. وبالري محمد بن مهران وأبا غسان وآخرين. وبالعراق ابن حنبل وعبد الله ابن مسلمة وآخرين وبالحجاز سعيد بن منصور وأبا مصعب وآخرين. وبمصر عمرو بن سواد وحرملة بن يشعي؟؟ وآخرين وخلائق كثيرين: روي عنه جماعة من كبار أئمة عصره وحفاظه كما قدمناه وفيهم جماعات في درجته. منهم أبو حاتم الرازي وموسى بن هارون وأحمد بن سلمة والترمذي وغيرهم.