ومن حقق نظره في صحيح مسلم رحمه الله واطلع على ما أورده في أسانيده وترتيبه وحسن سياقته وبديع طريقته من نفائس التحقيق وجواهر التدقيق وأنواع الورع والاحتياط والتحري في الرواية وتلخيص الطرق واختصارها وضبط متفرقها وانتشارها وكثرة اطلاعه واتساع روايته وغير ذلك مما فيه من المحاسن والأعجوبات واللطائف الظاهرات والخفيات علم أنه امام لا يلحقه من بعد عصره وقل من يساويه بل يدانيه من أهل وقته ودهره وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم وأنا اقتصر من أخباره رضي الله عنه على هذا القدر فان أحواله رحمه الله ومناقبه لا تستقصى لبعدها عن أن تحصى وقد دللت بما ذكرت من الإشارة إلى حالته على ما أهملت من جميل طريقته والله الكريم أسأله أن يجزل في مثوبته وأن يجمع بيننا وبينه مع أحبائنا في دار كرامته بفضله وجوده ولطفه ورحمته وقد قدمت أن أوثر الاختصار وأحاذر التطويل الممل والاكثار توفى مسلم رحمه الله بنيسابور سنة احدى وستين ومائتين قال الحاكم أبو عبد الله بن البيع في كتاب المزكين لرواة الاخبار سمعت أبا عبد الله بن الأخرم الحافظ رحمه الله يقول توفى مسلم بن الحجاج رحمه الله عشية الأحد ودفن يوم الاثنين لخمس بقين من رجب سنة احدى وستين ومائتين وهو ابن خمس وخمسين سنة رحمه الله ورضى عنه فصل صحيح مسلم رحمه الله في نهاية من الشهرة وهو متواتر عنه من حيث الجملة فالعلم القطعي حاصل بأنه تصنيف أبى الحسين مسلم بن الحجاج وأما من حيث الرواية المتصلة بالاسناد المتصل بمسلم فقد انحصرت طريقه عنده في هذه البلدان والأزمان في رواية أبي إسحاق إبراهيم ابن محمد بن سفيان عن مسلم ويروى في بلاد المغرب مع ذلك عن أبي محمد أحمد بن علي القلانسي عن مسلم ورواه عن ابن سفيان جماعة منهم الجلودي وعن الجلودي جماعة منهم الفارسي وعنه جماعة منهم الفراوي وعنه خلائق منهم منصور وعنه خلائق منهم شيخنا أبو إسحاق قال الشيخ الامام الحافظ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله وأما القلانسي فوقعت روايته عند أهل الغرب ولا رواية له عند غيرهم دخلت روايته إليه من جهة أبى عبد الله محمد بن يحيى بن الحذاء التميمي القرطبي وغيره سمعوها بمصر من أبى العلاء عبد الوهاب بن عيسى بن عبد الرحمن بن ماهان البغدادي قال حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن يحيى الأشقر الفقيه على مذهب الشافعي قال
(١١)