وجاء في طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي ما نصه:
(يحيى بن شرف بن مري بن حسن بن حسين بن حزام بن محمد بن جمعة النووي) الشيخ العلامة محيي الدين أبو زكريا شيخ الاسلام أستاذ المتأخرين. وحجة الله على اللاحقين والداعي إلى سبيل السالفين. كان يحيى رحمه الله سيدا وحصورا ولينا على النفس حصورا.
وزاهدا لم يبال بخراب الدنيا إذا صير دينه ربعا معمورا. وله الزهد والقناعة. ومتابعة السالفين من أهل السنة والجماعة. والمصابرة على أنواع الخير لا يصرف ساعة في غير طاعة. وهذا مع الفتن في أصناف العلوم فقها. ومتون أحاديث وأسماء رجال ولغة وصرفا. وغير ذلك. وأنا إذا أردت أن أجمل تفاصيل فضله. وأدل الخلق على مبلغ مقداره بمختصر القول وفصله. لم أزد على بتين أنشدنيهما من لفظه لنفسه الشيخ الامام. وكان من حديثهما أنه - أعنى الوالد رحمه الله - لما سكن في قاعة دار الحديث الأشرفية سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة كان يخرج في الليل إلى إيوانها فيتهجد تجاه الأثر الشريف ويمرغ وجهه على البساط وهذا البساط من زمان الأشرف الواقف وعليه اسمه وكان يجلس عليه وقت الدرس فأنشدني الوالد لنفسه.
وفي دار الحديث لطيف معنى * على بسط لها أصبو وآوى عسى أنى أمس بحر وجهي * مكانا مسه قدم النواوي ولد النووي في المحرم سنة أحدي وثلاثين وستمائة بنوي وكان من أهلها المستوطنين بها وذكر أبوه أن الشيخ كان نائما إلى جنبه وقد بلغ من العمر سبع ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان فانتبه نحو نصف الليل وقال يا أبت ما هذا الضوء الذي ملاء الدار فاستيقظ الأهل جميعا قال لم نر كلنا شيئا. قال والده: فعرفت أنها ليلة القدر. وقال شيخه في الطريقة الشيخ ياسين بن يوسف الزركشي: رأيت الشيخ محيي الدين وهو ابن عشر سنين بنوى والصبيان يكرهونه على اللعب معهم وهو يهرب منهم ويبكي لاكراههم ويقرأ القرآن في تلك الحال فوقع في قلبي حبه وجعله أبوه في دكان فجعل لا يشتغل بالبيع والشراء عن القرآن قال فأتيت الذي يقرئه القرآن فوصيته به وقلت هذا الصبي يرجى أن يكون أعلم أهل زمانه وأزهدهم وينتفع الناس به فقال لي: منجم أنت؟ قلت لا وإنما أنطقني الله بذلك. فذكر ذلك لوالده فحرص عليه إلى أن ختم القرآن وقد ناهز الاحتلام.