في الشرع معروفة عند أهله وعلى كل حال فان الأئمة لا يروون عن الضعفاء شيئا يحتجون به على انفراده في الاحكام فإن هذا شئ لا يفعله امام من أئمة المحدثين ولا محقق من غيرهم من العلماء وأما فعل كثيرين من الفقهاء أو أكثرهم ذلك واعتمادهم عليه فليس بصواب بل قبيح جدا وذلك لأنه إن كان يعرف ضعفه لم يحل له أن يحتج به فإنهم متفقون على أنه لا يحتج بالضعيف في الاحكام وإن كان لا يعرف ضعفه لم يحل له أن يهجم على الاحتجاج به ممن غير بحث عليه بالتفتيش عنه إن كان عارفا أو بسؤال أهل العلم به ان لم يكن عارفا والله أعلم المسألة الرابعة في بيان أصناف الكاذبين في الحديث وحكمهم وقد نقحها القاضي عياض رحمه الله تعالى فقال الكاذبون ضربان أحدهما ضرب عرفوا بالكذب في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم أنواع منهم من يضع عليه ما لم يقله أصلا اما ترافعا واستخفافا كالزنادقة وأشباههم ممن لم يرج للدين وقارا واما حسبه بزعمهم وتدينا كجهلة المتعبدين الذين وضعوا الأحاديث في الفضائل والرغائب واما اغرابا وسمعة كفسقة المحدثين واما تعصبا واحتجاجا كدعاة المبتدعة ومتعصبي المذاهب واما اتباعا لهوى أهل الدنيا فيما أرادوه وطلب العذر لهم فيما أتوه وقد تعين جماعة من كل طبقة من هذه الطبقات عند أهل الصنعة وعلم الرجال ومنهم من لا يضع متن الحديث ولكن ربما وضع للمتن الضعيف اسنادا صحيحا مشهورا ومنهم من يقلب الأسانيد أو يزيد فيها ويتعمد ذلك اما للاغراب على غيره واما لرفع الجهالة عن نفسه ومنهم من يكذب فيدعى سماع ما لم يسمع ولقاء من لم يلق ويحدث بأحاديثهم الصحيحة عنهم ومنهم من يعمد إلى كلام الصحابة وغيرهم وحكم العرب والحكماء فينسبها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهؤلاء كلهم كذابون متروكو الحديث وكذلك من تجاسر بالحديث بما لم يحققه ولم يضبطه أو هو شاك فيه فلا يحدث عن هؤلاء ولا يقبل ما حدثوا به ولو لم يقع منهم ما جاؤوا به الا مرة واحدة كشاهد الزور إذا تعمد ذلك سقطت شهادته واختلف هل تقبل روايته في المستقبل إذا ظهرت توبته قلت المختار الأظهر قبول توبته كغيرة من أنواع الفسق وحجة من ردها أبدا وان حسنت توبته التغليظ وتعظيم العقوبة في هذا الكذب والمبالغة في الزجر عنه كما قال صلى الله عليه وسلم ان كذبا على ليس ككذب على أحد قال القاضي والضرب الثاني من لا يستجيز شيئا من هذا كله في الحديث ولكنه يكذب في حديث الناس قد عرف بذلك فهذا أيضا لا تقبل
(١٢٦)