والأنصار، فنيطت دونها ملاءة، ثم أنت أنة أجهش لها القوم بالبكاء، ثم أمهلت حتى هدأت فورتهم، وسكنت روعتهم، وافتتحت الكلام، فقالت:
«أبتدئ بالحمد لمن هو أولى بالحمد والمجد والطول» ثم قالت: «الحمد لله على ما أنعم، وله الشكر على ما ألهم، والثناء على ما قدم، من عموم نعم ابتدأها، وسبوغ آلاء أسداها، وإحسان منن والاها، جم عن الإحصاء عددها، ونأى عن المجازاة أمدها، وتفاوت عن الإدراك أبدها، استدعى الشكور بأفضالها، واستحمد إلى الخلائق بإجزالها، وأمر بالندب إلى أمثالها.
وأشهد أن لا اله إلا الله، كلمة جعل الاخلاص تأويلها، وضمن القلوب موصولها وأبان في الفكر معقولها، الممتنع من الأبصار رؤيته، ومن الألسن صفته، ومن الأوهام الإحاطة به، ابتدع الأشياء لا من شئ كان قبلها، وأنشأها، وأنشأها بلا احتذاء أمثلة [امتثلها] وضعها لغير فائدة زادته بل إظهارا لقدرته وتعبدا لبريته وإعزازا لأهل دعوته، ثم جعل الثواب على طاعته، ووضع العقاب على معصيته، ذيادة (1) لعباده عن نقمته، وحياشة (2) لهم إلى جنته.
وأشهد أن أبي محمدا عبده ورسوله، اختاره قبل أن يجتبله (3)، واصطفاه قبل أن يبعثه، وسماه قبل أن يستنجبه (4)، إذ الخلائق في الغيب مكنونة، وبسد الأوهام مصونة، وبنهاية العدم مقرونة، علما من الله في غامض الأمور، وإحاطة من وراء حادثة الدهور، ومعرفة بمواقع المقدور.
ابتعثه الله إتماما لعلمه، وعزيمة على إمضاء حكمه، فرأى الأمم فرقا في أديانها،