وطلب حب الرياسة وطلب الدنيا منك ومنهم، أما ترى ما أنت فيه من الجهل والغرة، وما الناس فيه من البلاء والفتنة؟
ابتليتهم بالشغل عن مكاسبهم، وفتنتهم بما رأوا من أثر العلم عليك، وتاقت أنفسهم إلى أن يدركوا بالعلم ما أدركت، ويبلغوا منه مثل الذي بلغت، فوقعوا بك في بحر لا يدرك قعره، وفي بلاء لا يقدر قدره، فالله لنا ولك ولهم المستعان.
واعلم أن الجاه جاهان: جاه يجريه الله تعالى على يدي أوليائه لأوليائه، الخامل ذكرهم، الخافية شخوصهم، ولقد جاء نعتهم على لسان رسول الله (صلى الله عليه وسلم): " إن الله يحب الأخفياء الأتقياء الأبرياء الذين إذا غابوا لم يفتقدوا، وإذا شهدوا لم يعرفوا، قلوبهم مصابيح الهدى، يخرجون من كل فتنة سوداء مظلمة ". فهؤلاء أولياء الله الذين قال الله تعالى فيهم: * (أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون) * (1).
وجاءه يجريه الله تعالى على يدي أعدائه لأوليائه، ومقة يقذفها الله في قلوبهم لهم، فيعظمهم الناس بتعظيم أولئك لهم، ويرغب الناس فيما في أيديهم لرغبة أولئك فيه إليهم، * (أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون) * (2). وما أخوفني أن تكون ممن ينظر لمن عاش مستورا عليه في دينه، مقتورا عليه في رزقه، معزولة عنه