وقد قال أبو سفيان للعباس يوم فتح مكة بعد أن أسلم ورأي عظم جيوش النبي: " والله يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيما ".
فقال له العباس: يا أبا سفيان! إنها النبوة.
قال: فنعم إذا (1).
لم يكن هذا الزعيم المغلوب على أمره ليرضى أن تخرج الزعامة من بيت ابن عمه إلى بيت قصي عنه بعد أن خرجت من بيته. وكانت العصبية القبلية في الجاهلية قبل الاسلام عماد الحياة في الجزيرة العربية. وأما العصر الاسلامي الأول، فمهما جاهد الرسول في إماتة العصبية القبلية ودفنها! فإنها كانت تظهر بين حين وآخر متحدية جهاد الرسول في نشره الإخاء الانساني، وفي سيرة الرسول وأصحابه كثير من الشواهد الدالة على ذلك.
وإن هذه العصبية لم تكن بين آل عبد مناف صاحب الزعامة القرشية بأقل منها في غيرها.
روى ابن هشام عن العباس أنه ركب بغلة النبي ليلة فتح مكة، وخرج يبحث عن رسول يوفده إلى قريش فيخبرهم بقدوم النبي ليأتوا إليه فيستأمنوه، فرأى أبا سفيان فقال له: والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك.
ثم أردفه وأخذه ليستأمن له من النبي، وكلما مر على نار من نيران المسلمين قالوا: عم رسول الله صلى الله عليه وآله على بغلته حتى مر على عمر بن الخطاب، فلما رأى أبا سفيان على عجز الدابة، قال: أبو سفيان!
عدو الله، الحمد لله الذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد، ثم خرج يشتد نحو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فركض العباس بالبغلة وسبقه، قال