فحينما توضع على الفلاحين الضرائب الفادحة التي لا تتناسب مع دخلهم، مع إهمال عمارة الأرض وصيانتها يشعر هؤلاء الفلاحون أنهم لا يعملون لأنفسهم، ولا يجنون من وراء كدحهم المرهق شيئا ذا قيمة، وإنما يعملون لغيرهم، ويستغلون لهذا الغير استغلالا بشعا وذلك يخلق في نفوسهم كراهية عملهم والتذمر منه.
إن هذه المعاملة التي تحدث هذا الشعور وتدفع إلى هذا الموقف تخلف في المجتمع آثارا ضارة قد تقوض المجتمع من أساسه.
هذه المعاملة تدفع بأضخم طبقة في الأمة إلى انحلال أخلاقي فظيع، فهذا الفلاح الذي يستغل الحاكم جهده دون أن يعوضه عليه شيئا يريد أن يعيش، وهو يتوصل إلى غايته هذه بالكذب والغش والتهريب والسرقة فبدلا من أن يعيش من أرضه بجهده يضطر إلى العيش من جيوب الآخرين بسلاحه، وينقلب قاطع طريق، مجرما، عدوا للمجتمع، بعد أن كان المفروض فيه أن يكون لبنة تزيد صرح المجتمع قوة ومناعة.
ومن جملة آثارها أن تنتقل الأيدي الفتية الشابة إلى بلاد أخرى هربا من الظلم، وطلبا للقمة العيش. فمن لا يصبر على الظلم إما أن يتحول إلى قاطع طريق وإما أن يهاجر، وهذا يسلب من البلاد زهرة شبابها، فان الذين يهاجرون هم الأقوياء المغامرون، ذوي المستوى الأخلاقي العالي الذي يمنعهم من الاجرام.
وإلام يؤدي هذا؟ انه يؤدي إلى هبوط الانتاج، فهذه الأيدي الفتية هي التي تدير عمليته، وحين تنقطع عن العمل فلابد أن يصاب الانتاج بالشلل.
ومن جملة آثارها أن تنتقل رؤوس الأموال الكبيرة إلى خارج البلاد، فان أصحاب الثروات يستغلون أموالهم عن طريق الزراعة في المجتمعات الزراعية، فيعمرون الأرض، ويحيون مواتها، ويصلحون نظام الري، ويوجدون عملا للكثيرين ولكن غاية هؤلاء هي الربح، فإذا ما رأوا ان الضرائب والمظالم تذهب بثرواتهم