هل يكفي في صلاحية الرحل للقضاء أن يكون على معرفة بمواد القانون الذي يقضي به دون اعتبار لتوفر ميزات أخرى فيه؟
إن الجواب السديد على هذا السؤال هو النفي، فلا يكفي في القاضي ان يكون على علم بمواد القانون فحسب، لأنه إذا لم تتوفر فيه غير هذه الصفة يكون عالما بالقانون، ولا يصلح أن يكون قاضيا، لان منصب القضاء يتطلب من شاغله إلى جانب علمه بالشريعة، صفات أخرى فصلها الامام في عهده، وأناط اختيار طبقة القضاة بتوفرها، وهذا يعني ان فاقدها ليس جديرا بهذا المنصب الخطير.
يجب أن يكون القاضي واسع الصدر كريم الخلق، وذلك لان منصبه يقتضيه أن يخالط صنوفا من الناس، وألوانا من الخلق، ولا يستقيم له أن يؤدي مهمته على وجهها إلا إذا كان على مستوى أخلاقي عال يمسكه عن التورط فيما لا تحمد عقباه.
ويجب أن يكون من الورع، وثبات الدين، وتأصل العقيدة، والوعي لخطورة مهمته وقيمة كلمته، بحيث يرجع عن الباطل إذا تبين له انه حاد عن شريعة العدل في حكمه، ولم يصبها اجتهاده ولم يؤده إليها نظره، فلا يمضي حكما تبين له خطأه خشية قالة الناس.
ويجب أن يكون من شرف النفس، ونقاء الجيب، وطهر الضمير، بحيث (لا تشرف نفسه على طمع) في حظوة أو كرامة أو مال وفضلا عن أن يتأصل فيه الطمع ويدفعه إلى تحقيق موضوعه، وذلك لان القاضي يجب أن يجلس للحكم ضميرا نقيا، وروحا طاهرا، وعقلا صافيا، ونفسا متعالية عن مساف الأغراض، وألا يشغل نفسه بعرض من أعراض الدنيا، لان ذلك ربما انحرف به من حيث لا يدري فأدان من له الحق، وبرأ من عليه الحق. لتأثره بهاجس نفسه، وهاتف قلبه، ومطمح هواه.
ويجب أن يكون من الوعي لمهمته بحيث لا يعجل في الحكم، ولا يسرع في إبرامه، وإنما عليه أن يمضي في دراسة القضية ويقتلها بحثا ويستعرض وجوهها