يكون القاضي، لكي يأمن ذلك كله، من الحاكم بمكانة لا يطمع فيها أحد غيره، ولا تتاح لاحد سواه، وبذلك يأمن دس الرجال له عند الحاكم، ويثق بمركزه وبنفسه، وتكسبه منزلته هذه رهبة في قلوب الأشرار يقوى بها على حملهم على الحق، وردهم إليه حين ينحرفون عنه ويتمردون عليه.
قال عليه السلام:
(.. وأعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصتك، ليأمن بذلك اغتيال الرجال له عندك.
فانظر في ذلك نظرا بليغا، فان هذا الدين قد كان أسيرا في أيدي الأشرار، يعمل فيه بالهوى، وتطلب به الدنيا).
عهد الأشتر هذه هي الضمانات الثلاث التي وضعها الإمام عليه السلام، مبينا فيها النهج الذي يحسن أن يتبع في انتخاب أفراد هذه الطبقة، وشارحا كيفية معاملتهم ليؤدوا مهمتهم على نحو نموذجي.
* * * وقد سجل الامام بما شرعه هنا سبقا عظيما على إنسان اليوم، وذلك لان استقلال مركز القضاء وعدم تأثره باي سلطة أخرى، وتأمين الناحية الاقتصادية للقاضي، ونظام التفتيش القضائي، جهات تنبه لها الامام وجعلها واقعا يخلف في حياة المجتمع آثاره الخيرة، في عصر كانت سلطة القضاء أداة يديرها الحاكمون والمتسلطون كما يحبون.
* * * ولا شئ ادعى إلى ثقة الناس بالقضاء من نفوذ حكم القاضي على جميع الناس، حتى على من تربطهم بالحاكم الاعلى قرابة قريبة أو صداقة حميمة، فان