الانسانية فلا يتوازرون، ولا يتناصحون ولا يتباذلون. واستحالت هذه النبالات في أعماقهم إلى غرائز ذئبية فخبثت سرائرهم، وفسدت ضمائرهم، وانفصمت عرى الود فيما بينهم، وانظر كيف ساقهم ذلك إلى الجبن الاجتماعي، فيغضي أحدهم عن عيب صاحبه، لأنه يخشى أن يواجهه بعيبه.
وقد عرفت أنه عليه السلام لا يتنكر لمن يعمل للدنيا على نحو لا يلهيه عن الآخرة، ولا يحيله إلى آلة جشعة لا تعرف معنى للشبع ولا للوقوف، وهو في هذا اللون الوعظي لا يدعو إلى هجر الدنيا وإنما يدعو إلى التخفيف من الظراوة في طلبها ويدعو إلى النظر إليها من زاوية الواقع وحده.
وإن طائفة من الناس تحيا هذا اللون البشع من الحياة المادية الخالصة التي وصفها الإمام عليه السلام في النص الذي قدمناه لبعيدة كل البعد عن المثل الاعلى للحياة في الاسلام، فهؤلاء الذين أقفرت ضمائرهم من الشعور بالله، وصار دين أحدهم لعقة على لسانه، قد انقلب كل منهم إلى أنانية تمشي، فيتنكر لمجتمعه ويسير على هدى شهواته.
وإن العمل للدنيا على هذا النحو الذي يفقد الانسان أجل ميزاته لهو عمل جدير بأن يحارب.
* * * راجع النصوص التالية: رقم 42 و 84 و 103 و 111 و 131، وفي باب المختار من الحكم راجع: رقم 18 و 36.